خاوة

من بين التحديات التي تواجه المستثمرين الأجانب والتجار وأصحاب المصالح الخاصة ما بات يعرف بظاهرة الخاوات التي يفرضها اصحاب سوابق وبلطجية عليهم.
الظاهرة قديمة في الأردن وفي عديد المجتمعات حول العالم، لكنها تزايدت في السنوات الأخيرة بفعل عوامل كثيرة يطول شرحها، أهمها تراجع سلطة القانون وهيبة الدولة.اضافة اعلان
الجهات الأمنية تتعامل حاليا بحزم مع فارضي الخاوات، وتلاحق شبكاتهم في عمان ومدن المملكة، وإذا ما استمرت على هذا النهج فالمؤكد أنها ستقطع دابر الظاهرة من أساسها.
لكن لنكن صريحين أكثر؛ الظاهرة لا تقتصر على الجانب الجرمي والفئات المعروفة من البلطجية ومتعاطي المخدرات وخريجي السجون، لقد امتدت وتوسعت حتى وصلت الحياة السياسية في البلاد وأوساط المشتغلين في العمل العام من ساسة وإعلاميين ورجال أعمال.
منذ سنوات ليست قليلة نسمع عن عمليات ابتزاز يتعرض لها ساسة وأصحاب قرار على يد خصومهم ومن قبل إعلاميين لدفع مبالغ مالية مقابل عدم التعرض لهم. أو ليست هذه هي الخاوة بعينها؟!
على طول الحياة البرلمانية كانت الحكومات تتعرض لابتزاز النواب؛ وظائف وخدمات مقابل منح الثقة لها. وفي المقابل تهدد الحكومات النواب بحرمانهم من الخدمات إذا ما عارضوا سياساتها أو حجبوا الثقة.
وعلى المستوى الثنائي العلاقة بين النواب والوزراء تخضع لنفس المعادلة. يستطيع وزير أن يطوي ملف المساءلة النيابية بترتيبات تضمن تلبية مطاالب النائب، والعكس يحدث دائما.
رجال يقعون ضحايا خاوات القوى الناعمة في المجتمع من وسائط إعلامية تتقصد التشهير بسمعتهم وسمعة منتجاتهم إلى أن يدفعوا المعلوم، وساسة يلاحقون رجال أعمال لنيل مبتغاهم مقابل "تمشية" مصالحهم وعدم تعطيلها.
جميع هذه الممارسات تندرج تحت بند الخاوات، وإن كانت تحمل صفات ملطفة في أوساط النخب.
والخاوة كمفهوم، حاضرة بالوعي الاجتماعي الأردني على نطاق واسع، ويجري التعبير عنها في مواقف متكررة في حياتنا اليومية؛ "خاوة بدك تدفع" أو "بَدو يدفّعني خاوة".
يحصل ذلك في المعاملات البسيطة بين الناس وعلاقات التجار بزبائنهم، وأصحاب المصالح والورش مع عملائهم.
الفرق بين الخاوات على المستوى الشعبي ومثيلاتها على المستوى السياسي أنه في الأولى يدفع الناس من جيوبهم؛ رجال أعمال كانوا أم مواطنين، أما في الثانية فالدفع من "كيس الدولة".
لكن تطور الظاهرة وانتقالها من الحيز الشعبي"البلطجة" إلى المستوى السياسي والنخبوي، مرده تآكل سلطة القانون على نحو متدرج في الأردن،وتراجع المركز الإخلاقي للنخبة السياسية والإعلامية،لدرجة صار معها الابتزاز على شكل"عطايا" وهبات أمرا شائعا ومحببا ومحل تفاخر من أصحابه،لابل من طرفي المعادلة.
تنامي هذه الظاهرة حفز كثيرين على ممارسة"الخاوة" للحصول على مبتغاهم في حال تردد صاحب النفوذ عن الدفع طواعية.
لقد شهدنا في السنوات الأخيرة أشكال ابتزاز مرعبة خضع لها سياسيون ورجال اعمال وأصحاب سلطة أو تبادلوها فيما بينهم. ومن يقاوم تلك الممارسات أو يحاول تحديها لايجد من يسانده في المؤسسات أو مراكز صناعة القرار.