خبراء: انقطاع الأطفال عن المدارس يفاقم حالات العنف غير المبلغ عنها

نادين النمري

عمان- أثار قرار الحكومة بالاستمرار في إغلاق المدارس حتى نهاية الفصل الحالي، تخوفات خبراء من ارتفاع عدد حالات العنف غير المبلغ عنها الواقعة على الأطفال، لافتين إلى الدور المحوري لمؤسسات التعليم في التبليغ والإحالة في قضايا الإساءة الواقعة على الطفل.اضافة اعلان
ويقول هؤلاء، وهم من أصحاب الاختصاص في برامج حماية الطفل، إن "رياض الأطفال والمدارس كان لها دور أساسي في الكشف عن حالات الإهمال والإساءة الواقعة على الطفل. لكن الآن ومع انقطاع نحو عام كامل للطلبة عن مدارسهم، فإن ذلك سيجعل الكثير من الأطفال خارج إطار الحماية".
ويلزم قانون الحماية من العنف الأسري للعام 2016، مقدمي الخدمات بمن فيهم المعلمين والمرشدين والادارات المدرسية بالتبليغ عن حالات العنف الواقعة على الأطفال، كما يترتب على عدم الالتزام بالتبليغ غرامة مالية، في حين أن القانون لا يلزم المواطنين كالجيران والأقارب بالتبليغ، فضلا عن وجود ثقافة ترفض التدخل في مسائل العنف الأسري باعتبارها شأنا أسريا خاصا. وينبه الخبراء، الى أن المسألة لا تقتصر على التبليغ عن حالات العنف، إنما كذلك حالة الإهمال، نقص التغذية، التسرب المدرسي، الزواج المبكر وعمل الأطفال، داعين الى ضرورة ايجاد سبل لضمان استمرار التواصل بين الطالب ومدرسته لا سيما المعلمين والمرشد التربوي.
وفي هذا السياق، تقول مديرة مكتب منظمة بلان انترنشول في الأردن، منى عباس، "كنا نعتمد بجزء كبير في الكشف والتبليغ والإحالة في حالات العنف الواقعة على الأطفال على المدارس، بحيث يتم إحالة الحالات إلى إدارة حماية الأسرة أو القيام بتدخل من ادارة المدرسة، لان الأطفال في بيوتهم ولم نعد قادرين على الوصول لهم". وأضافت، "يضاعف من صعوبة الوصول الى هذه الفئة من الأطفال المعرضة للإهمال والعنف غياب الوعي المجتمعي تجاه أهمية التبليغ كذلك عدم وجود نص قانوني يلزم المواطنين على التبليغ".
وأبدت عباس استغرابها من قرار وزارة التربية والتعليم بمنع المعلمين من التواصل مع طلبتهم، مشددة على أهمية استمرار التواصل بين الطلبة ومعلميهم ضمن ضوابط تضمن الخصوصية والحماية.
وقالت، "في حال التمسك بقرار استمرار التعلم عن بعد فنحن بحاجة لحلول إبداعية تضمن استمرارية التواصل الانساني بين الطلبة والمدرسة"، موضحة أن "المدرسة ليست مجرد مكان لتلقي المعلومة إنما لها دور أساسي في ضمان التطور النمائي والسلوكي للطفل فضلا عن متابعة الجانب الحمائي للطفل".
واعتبرت أن فتح أبواب المدارس لمرة واحدة اسبوعيا سيوفر متنفسا آمنا للأطفال، فضلا عن دوره في إمكانية التبليغ عن أي حالات عنف، مقترحة تفعيل خط ساخن متخصص بالتبليغ عن الإساءة والعنف الواقع على الطفل والقيام بحملة توعوية وتعريفية بهذا الخصوص.
وتتفق مع ذلك الخبيرة في حماية الطفولة، منال الوزني، موضحة "المسمى هو وزارة التربية والتعليم، أي أن دورها لا يقتصر على تلقين المعلومات أنما ايضا التربية وضمان ايجاد التدخلات المناسبة مع الأطفال تحديدا فئات الأطفال الاكثر هشاشة والاكثر تعرضا للعنف".
وأضافت، "لدى الوزارة دليل إجرائي خاص بالتبيلغ عن حالات الاساءة الواقعة على الأطفال، وهي تعد أحد أهم المصادر في التبليغ عن حالات العنف والتعامل معها".
وقالت الوزني، "لا يقتصر الأمر على البلاغات انما ايضا الاجراءات التي تتخذها المؤسسات التعليمية من خلال الإرشاد التربوي داخل المدرسة للتعامل مع التحديات السلوكية للأطفال أو المشاكل الأسرية، فضلا عن دور الإرشاد في توعية الأطفال للمعرفة بحقوقهم".
وتلفت الوزني كذلك إلى الآلية التي كان يتم التعامل بها من قبل المدارس ومديريات التربية بخصوص حالات التسرب من المدرسة، بحيث يتم تحويل الحالات الى الحاكم الاداري للتواصل مع الأهل وإعادة الطفل إلى المدرسة، مبينة أنه "مع الحديث عن وجود نسبة 30 % غير ملتزمة بمتابعة المنصة فهناك ضرورة لإيجاد آلية للتواصل مع هؤلاء الطلبة وايجاد الحلول لضمان تواصلهم مع المنصة". وأضافت، "لا نستطيع إنكار دور المدرسة في الحد من حالات زواج وعمل الأطفال، وغياب الأطفال عن مدارسهم قد يعرضهم بشكل أكبر لهذه الانتهاكات".
وفيما لم تصدر بعد احصائية دائرة قاضي القضاة حول عدد حالات الزواج للعام الحالي، لكن منظمات أممية تشير الى ارتفاع ملحوظ في عقود زواج القاصرات داخل مخيمات اللجوء السوري العام الحالي بالمقارنة مع العام الماضي، كما كانت تقارير أممية عدة حذرت من الأثر للانقطاع عن المدرسة من حيث ارتفاع نسب زواج وعمل الأطفال في ظل عدم توفير الدول لآليات متابعة للطلبة.
الوزني تطرقت كذلك إلى مسح قامت به مؤسسة درة المنال التي تديرها والتي كشفت عن صعوبات تواجهها الإناث في الوصول الى مصادر التعلم عن بعد، وازدياد الخلافات الأسرية بين الطلبة وذويهم وبين الاشقاء مع اعتماد التعلم الالكتروني.
وتدعو الوزني الى ضرورة ايجاد حلول مبتكرة تضمن التواصل للأطفال مع مدرستهم، وتوفير المتطلبات لضمان عودة الطلبة الى المدرسة ضمن آلية تضمن الصحة العامة والوقاية من الوباء، مبينة أن "ثمن انقطاع الطلبة عن المدرسة لهذه المدد الطويلة سيكون باهظا".
من جانبه، يقول الخبير في مواجهة العنف وحقوق الطفل، الدكتور هاني جهشان، إن "دراسات عالمية عدة اظهرت ارتفاع في حالات العنف ضد الأطفال وإهمالهم خلال الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا، إلا أنه لم يرافق هذه الزيادة الاستجابة المناسبة من مقدمي خدمات حماية الأطفال وخاصة غياب الدور المهم للمدارس والمستشفيات بالاكتشاف المبكر لحالات العنف والتبليغ عنها، مما أدى إلى تفاقم عدد الحالات غير المبلغ عنها".
ولفت جهشان الى قانون الحماية من العنف الأسري والذي يلزم التبليغ عن حالات العنف ضد الأطفال عند اكتشافها من قبل المعلمين والمعلمات للجهات الرسمية وهي إدارة حماية الأسرة، مشيرا إلى أنه أجري في الأعوام السابقة العديد من البرامج التدريبية للمعلمين لرفع كفاءة التبليغ عن العنف ضد الأطفال وأنشأ قسم خاص بـ"التربية" لمتابعة هذه الحالات وكان هناك دور مهم للوزارة في الفريق الوطني لحماية الأسرة.
وأضاف، "قبل الجائحة، وحسب المعايير الدولية والعلمية لم يكن التبليغ عن العنف ضد الأطفال لجهات حماية الطفل، في الأردن، بأفضل أوضاعه إلا أن الحجر أدى الى التوقف الكامل لإجراءات التبليغ هذه، ما أدى الى ارتفاع عدد حالات العنف ضد الأطفال في المنازل وفاقم الوضع رداءة عوامل الخطورة الأخرى لتعريض الأطفال للعنف وهي الكرب الناتج عن عمل الوالدين أو أحدهما عن بُعد، والقلق والتوتر الناتج عن الجائحة ذاتها، والتعليم عن بعد بحد ذاته وخاصة عدم توفره بشكل مثالي لجميع الأسر أثناء حجرها فاقم حالات العنف ضد الأطفال، وتشير دراسات أيضا أن فقد احد الوالدين أو كلاهما لعمله أو وظيفته أو إصابته بفيروس كورونا هو من عوامل الخطورة الموثقة بتسبب ارتفاع حالات العنف ضد الأطفال".
وقال جهشان، "هذه العوامل مجتمعة أدت الى ارتفاع حاد في حالات العنف ضد الأطفال وضعف كبير في حالات التبليغ عنها والحل المثالي وحسب ما يسمح به الوضع الوبائي هو بإعادة فتح المدارس بظروف صحية مسيطر عليها بعدد اقل من الطلبة وتوفير وسائل الحماية الصحية الأساسية لهم والعمل بشكل جدي وفعال بتدريبهم لحماية أنفسهم حسب ما تسمح به مرحلة تطورهم وإدراكهم".
ولفت إلى أن "عواقب العنف ضد الأطفال الجسدية والنفسية والاجتماعية موثقة علميا وهي خطيرة وتؤثر على مستقبل الأطفال ومستقبل جيل بأكمله، وفي حال استمرت الجائحة لفترة أطول فإن عواقب العنف هذه ستشمل المجتمع بأكمله وهذا يتوجب التدخل الحكومي الجاد بإعادة فتح المدارس بشكل متزن ومدروس". وأوضح أن "ارتفاع عدد الأطفال المعرضين للعنف خلال الجائحة يستدعي مضاعفة جهود الخدمات الاجتماعية وإدارة حماية الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني لتوفير وسائل بديلة للتبليغ وتقديم الخدمات الاجتماعية والطبية والنفسية لتأهيلهم".