خبراء يؤكدون سلبية توجه حكومي لدمج "الخدمة المدنية" بدائرة الأداء المؤسسي

مبنى ديوان الخدمة المدنية في عمان - (الغد)
مبنى ديوان الخدمة المدنية في عمان - (الغد)
عبدالله الربيحات عمان - أكد خبراء في الإدارة العامة أن توجه الحكومة لإلحاق ديوان الخدمة المدنية، بدائرة تطوير الأداء المؤسسي في رئاسة الوزراء، أو استحداث وزارة جديدة له، لتصبح وزارة الخدمة المدنية وتطوير الأداء المؤسسي، سيترتب عليه آثار سلبية. وربطوا موقفهم هذا، بان هذا التوجه، يؤثر على استقلالية الديوان، الذي يشرف على 149 مؤسسة ووزارة وهيئة مستقلة، وتعيينات الفئة الثالثة، ويتسبب بانخفاض منسوب الشفافية والنزاهة والتطوير، ويؤدي الى تراجع المؤسسية في تطوير العمل والقيم التي تحكمه في العدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص. وبينوا، في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، أن هذه الخطوة، لن تسهم بتحسين الأداء الحكومي، أو في توفير فرص عمل، ولن تخفض أي نفقات مالية خاصة. رئيس الديوان سامح الناصر، أشار الى عدم امتلاكه معلومات بهذا الشأن، مؤكدا بأن الديوان ملتزم تماما بالتطبيق الدقيق لتعليمات الاختيار والتعيين، وعدم التجاوز على الاحقيات التنافسية، انسجاما مع قيم عمل الديوان، المتجلية بالعدالة والنزهة وتكافؤ الفرص. وأشار الناصر، إلى أنه في العام 2001، كانت هناك مطالب بإلغاء الديوان، لكن في العام 2011 كان هناك دراسة لدمجه بوزارة تطوير القطاع العام والاستغناء عنه، وبعد دراسات مستفيضة، تبين أن لذلك كله، سلبيات عديدة على الإدارة. وزير تطوير القطاع العام السابق ماهر مدادحة قال، ان هذا التوجه يؤشر إلى عدم وضوح الرؤية لإصلاح القطاع العام، فوزارة تطوير القطاع العام ألغيت منذ فترة قصيرة، واستبدلت بدائره للتطوير المؤسسي. لذا، اعتبر مدادحة بان وجود الديوان كجهة مستقلة لتنظيم التعيين وشؤون الخدمة المدنية، يمنحه مصداقية لدى المواطنين، كونه يتعامل مع التعيينات بدرجة عالية من الشفافية، ما يقلل من التدخلات في عمله، كالواسطة والمحسوبية. واضاف انه اذا ما اريد فعلا تنفيذ عملية اصلاحية للديوان، فالخطوة الأهم، هي بإعادة هيكلة تشريعاته وتنظيمه الاداري، ليصبح هيئة تنظيمية ورقابية، تعمل في جانب منها، على التقييم الدوري للافراد والمؤسسات، وإرساء قواعد للمساءلة والمحاسبة في تحقيق الاهداف بشريا ومؤسسيا. وقال إنه يجب ان تنفذ الهيئة تطويرا مؤسسيا وترفع كفاءة وتمكين الوحدات الحكومية والتدريب، ودمج معهد الادارة فيها، وإعادة النظر في نظام الخدمة المدنية على نحو جوهري، ليتاح للوزارات والمؤسسات ادارة مواردها البشرية، بما ينسجم مع احتياجاتها الفنية والوظيفية. وأشار إلى أن الهيكلة، تضبط التعيين والشواغر عبر موازنة الوزارة والمؤسسة، على أن تشارك هذه الهيئة بالتعيين للوحدات الحكومية كافة، لضمان نزاهة وشفافية الاجراءات. رئيس الديوان الأسبق الدكتور هيثم حجازي، بين أن تأسيس الديوان العام 1955 جاء لتحقيق هدفين رئيسين، الاول: إدارة الوظيفة العامة، والثاني: تنمية الموظف العام وتحسين أدائه. ولفت حجازي إلى أنه لتحقيق الهدفين، عمل الديوان على رسم سياساته واستراتيجياته، لتجاوز الدور التقليدي المتمثل باختيار الموظفين وتعيينهم، عن طريق تنميتهم وتحسين أدائهم، بتبنيه لعدة أنشطة في مجالات التدريب والتطوير والإيفاد، وتوفير قاعدة بيانات الكترونية لواقع الموارد البشرية في الخدمة المدنية، والإشراف علـى تنفيذ نظام حكومي موحد لإدارتها، بموافقة الحكومة حينها، وبالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. واضاف حجازي، عمل الديوان طيلة وجوده، على وضع السياسات العامة لإدارة الموارد البشرية في الخدمة المدنية، ونفذ برامج لهذه السياسات بكفاءة وفاعلية، فحققت خططه وبرامجه النجاح. ولفت الى أن الخطط والبرامج التي يعكف الديوان على تنفيذها حاليا، وبمباركة من مجلسي الخدمة المدنية والوزراء، تؤهله لمواصلة القيام بهذا الدور، لا بل والانتقال لإدارة وتنمية الموارد البشرية، العاملة في جهاز الخدمة المدنية، ومن ضمنه المؤسسات المستقلة، بعد إقرار تشريعات تمكنه من مزاولة دوره. وقال حجازي، إن دمج الديوان بدائرة تطوير الأداء المؤسسي ليصبح وزارة، له محاذير عدة، يجب التوقف عندها. وأولها، تكمن في أن فلسفة إنشاء الديوان، مرتبطة مباشرة برئيس الوزراء، ومن يترأسه يحمل رتبة وزير، وأنه مؤسسة مركزية، تمتلك درجة عالية من الاستقلالية، تمكنه من ممارسة مهامه الرقابية والإشرافية على شؤون الوظيفة العامة والموظف العام، بعيدا عن تسييس عمله، في أي حكومة يجري تشكيلها، بخاصة وأن التوجه المستقبلي، نحو تشكيل حكومات ذات أغلبية برلمانية وحزبية، وبالتالي تحويل الديوان إلى وزارة، سيفقده ميزة الاستقلالية. وثانيها، يكمن في أن حكوماتنا عمرها قصير، وقد تعاقب على وزارة تطوير القطاع العام منذ إنشائها اكثر من وزير، ما تسبب بعدم استقرار سياسات واستراتيجيات التنمية والتطوير الإداريين، في حين تعاقب على رئاسة الديوان في الفترة نفسها عدد محدود، ما مكنه من تنفيذ مشاريع وبرامج أسهمت بتحسين الأداء الحكومي. ولفت إلى أن ذلك، يؤكد أن الدمج سيفقد الديوان ميزة الاستقرار، وسيحدث تقلبات في مجال السياسات والاستراتيجيات، الساعية لإدارة الوظيفة العامة ورعاية الموظف الحكومي والموارد البشرية بكفاءة وفاعلية. وثالثها، فإن دور الديوان في الرقابة على الوظيفة العامة وأداء الموظف العام وتطبيق أحكام نظام الخدمة، لا يختلف كثيرا عن دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد أو حتى ديوان المحاسبة. وأشار الى أن تحويل الديوان الى وزارة، سيفقده ميزة بقائه خارج إطار الأطقم الوزارية، لممارسة عمله بحيادية وموضوعية وباستقلالية، بعيدا عن أي ضغوط، فمن من غير المنطقي أن تراقب وزارة أداء وزارة أخرى. ورأى في المحذور الرابع، أن برنامج هيكلة مؤسسات القطاع العام الهادف لترشيق القطاع، وإزالة تشوهاته الإدارية والمالية، خطوة جادة على طريق الإصلاح الإداري، ويدعمها الديوان وموظفوه الذين يشاركوا في الهيكلة، مع التأكيد بأن الديوان وموظفيه يعملون أساسا تحت مظلة نظام الخدمة المدنية إداريا وماليا، لذا فإن تحويله لوزارة، لن يكون له أي أثر إيجابي إداريا وماليا. من جهته، قال مدير معهد الإدارة العامة السابق الدكتور راضي العتوم، انه من المعروف بان السياسات تُبنى وفقا لتوجهات استراتيجية تحددها رؤية الدولة، كما أن رؤية وزاراتها ومؤسساتها تحددها استراتيجيات تلك الوزارات والمؤسسات، متوسطة وطويلة الأجل، ولا تتبدل سنويا أو عند تغيير الحكومة، ومن غير الموضوعي التوجه إلى ربط الديوان بوزارة العمل، ثم تأتي حكومة أخرى وتتبنى ربطه بوزارة التطوير المؤسسي. واضاف العتوم أن انشاء وزارة للخدمة المدنية كتجربة، موجودة في دول عربية، ولكن تختلف طبيعة السياسات بين تلك الدول في تشكيل الحكومات واقالتها، وفي مُساءلة الوزراء. من هنا، نقف على مُفترق طُرق عندما يأتي الأمر للوزير، وفي الاردن تغيب المساءلة للوزير خلال توليه المسؤولية وكذلك بعدها، وهذا خطر سياسيا واداريا ورقابيا وعلى مستوى المساءلة، وبالتالي فالخطر ينصب على مستوى تحقيق العدالة الاجتماعية. وقال العتوم، انه إذا كان التوجه لربط وزارة تطوير الأداء المؤسسي بالديوان، فأعتقد بأن يكون ذلك تحت مظلة الديوان ذاته، أي بإلغاء وزارة تطوير الأداء المؤسسي، وتوكيل مهمتها للديوان. وقال، بذلك تكون الحكومة رشّقت عدد الوزارات كتوجه استراتيجي سليم، وفعّلت دور الديوان في تقييم الأداء والمساءلة الإدارية، وضمنت حفظ حقوق موظفي القطاع العام، والباحثين عن العمل في التوظيف، وفقا للأسس المقرة من مجلس الوزراء.اضافة اعلان