خرائط الشرق الأوسط الجديد

بين ايدي البعض خرائط قادمة عبر الانترنت للشرق الاوسط الجديد، نقرأ فيها تقسيم بعض دول المنطقة وانتزاع اجزاء منها وضمها الى دول اخرى، انها باختصار مخطط تنظيمي لاراضي المنطقة، مثل الذي تصدره دائرة الاراضي والمساحة، وما نحتاجه الى كميات من الأوتاد حتى نحدد مساحات وحدود الدول، وفق ما يسمى الشرق الاوسط الجديد.

اضافة اعلان

هذه الخرائط تشبه ما كان يوزع في سنوات سابقة من اوراق يزعم من يكتبها انها رؤية لأحد مؤذني المسجد النبوي او الحرم المكي وانه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يطلب في آخرها من كل من يقرأها ان يصورها عشرات النسخ ويوزعها على الناس، ويهدد كل من لا يفعل هذا بأنه سيصحو وسيجد ابنه ميتا او تجارته قد خسرت. فالخرائط والاوراق لها القيمة والمصداقية ذاتها.

الولايات المتحدة لم تعد بالنسبة لنا جميعا كيانا مجهولا، فقد جربناها عبر سياساتها في العراق وافغانستان وفلسطين، انها دولة لا تؤمن الا باستخدام القوة بشكل مفرط وهمجي، تقصف وتدمر وتفكك الدول، تغطي عجزها وقمعها بشعارات لم تعد تخدع احدا مثل الديمقراطية وحقوق الانسان، جاءت الى العراق تبشره بشرق اوسط جديد يكون العراق فيه بؤرة اشعاع للديمقراطية، العراق كما بشرت به اميركا جنة الله على الارض ونموذج للحريات والاستقرار، فانتظر من صدقوا حكاية الشرق الاوسط الجديد فكانت النتيجة ما نشاهده من غياب السيادة والدولة والامن، والقتل الذي لا يستثني احدا، والطائفية التي تفتك بالشعب العراقي، وحتى الكهرباء والبنزين والماء اصبحت حلما للمواطن العراقي. سقط نظام صدام لكن العراق تحوّل الى ساحة تفوق ايراني.

تحدثت اميركا عن افغانستان جديد فقوضت حكم طالبان وجاءت، بحكم جديد؛ لكن افغانستان لم تخرج من الجهل والفقر والحرب، ولم تعد حكومة قرضاي تحكم اكثر من بقعة هناك، فكانت افغانستان الجديدة اسوأ من افغانستان القديمة.

وفي العدوان الاخير على لبنان اعادت اميركا الحديث عن الشرق الاوسط الجديد، لكن التعريف لم يكن اكثر من تدمير اجزاء من لبنان وتشريد مئات الالاف من اللبنانيين ومئات الشهداء والجرحى، وكان الهدف كما فهمناه اخراج المقاومة من الجنوب.

الادارة الاميركية، صاحبة مشروع الشرق الاوسط الجديد، ادارة عقائدية دينية تؤمن بأن العالم منقسم الى معسكر للخير تقوده اسرائيل واخر للشر يتكون من كل الرافضين للهيمنة الاميركية. فالتعريف العملي للشرق الاوسط الجديد مجموع المصالح الاميركية- الاسرائيلية المنطلقة من الفهم السياسي والعقائدي للتيار المتصهين في الادارة الاميركية وقيادة الكيان الصهيوني.

الشرق الاوسط الجديد ليس جغرافيا وفرز اراض، بل توسيع دائرة الهيمنة والنفوذ الاميركي عبر القوة والاحتلال والقرارات الدولية والحروب والضغوط السياسية والاقتصادية. انه استغلال تفرد اميركا بحكم العالم بسبب ضعف الاخرين، انه مصالح اسرائيل وامنها الذي يتعدى تصفية اشكال المقاومة المسلحة الى محاولة تغيير القناعات واعادة تركيب العقول. وهذا في المحصلة مشروع غير قابل للحياة، فالاحتلال يحدث، ودبابات اميركا واسرائيل تدمر، لكن كل هذا ينقض المسار الفكري للمشروع الاميركي لانه لا يخلف الا مزيدا من العداء للسياسة الاميركية ورفضا لوجود الاحتلال بأشكاله المختلفة.

الشرق الاوسط الجديد اشبه بوعود الازواج في مرحلة الخطوبة، حلم لكن صيغته يراها الناس اعمالا عسكرية وعدوانية.

[email protected]