خراب الجامعات

الدولة التي تساوم مواطنيها على تطبيق القانون، تدفع الثمن من هيبتها واستقرارها، وربما وجودها. الجامعات مثال حي على نهج الدولة الكارثي في التعامل مع ظاهرة العنف الطلابي. فكلما وقعت مشاجرة داخل الحرم الجامعي، واعتداء على ممتلكات الجامعة، يتدخل الوسطاء من أصحاب الجاه والنفوذ لحمايتهم من العقاب القانوني، فتنصاع إدارة الجامعة، بعد أن يأتيها التوجيه من الحكومة بطي الملف.اضافة اعلان
وزير التعليم العالي الخبير في مجاله الدكتور أمين محمود، حرص على تطمين الطلبة المتورطين في عنف "مؤتة" و"آل البيت" و"الأردنية" بأنه لا ينوي معاقبتهم. وقال لموقع عمون الإخباري: "إن الوقت حان للاستماع لما يملكونه –ويقصد الطلبة الملثمين وحملة البلطات- من فكر ورؤية" ثاقبين!
بسبب التهاون في تطبيق القانون، خاصة في جامعات الأطراف، تمادى الطلبة في ممارسة العنف وتحدي إدارات الجامعات، وتحويل مراكز العلم إلى ساحات لتصفية الخلافات العشائرية.
ليكن، حاوروا الطلبة، واستمعوا لمشاكلهم، ونظموا ورشات توعية وتثقيف؛ لكن ليس على حساب القانون. يتعين أولا إنزال العقوبة بحق المخالفين، ثم بعد ذلك اجلسوا للاستماع لرؤيتهم الثاقبة كيفما يحلو لكم.
جامعة مؤتة على سبيل المثال، شهدت العام الماضي أعنف موجة عنف. وبعد أن أقسم المسؤولون في الحكومة والجامعة أغلظ الأيمان بمعاقبة كل من تورط، عادوا ورضخوا لتهديدات أهالي الطلبة، وتراجعوا عن قرارات الفصل. فماذا كانت النتيجة؟
تطبيق القانون بحزم وعدالة، سيحد من ظاهرة العنف الجامعي، لكنه لن يحل المشاكل كلها. ستظل الجامعات كما هي؛ مصدرا من مصادر التوتر الاجتماعي، ومظهرا للترهل الذي أصاب الدولة في عمقها.
منذ أن قررت الدولة، قبل عقدين من الزمن، تحويل الجامعات إلى ملف أمني، بدأ مسلسل التراجع في الأداء على كل المستويات؛ رؤساء الجامعات يعينون بموافقة أمنية، والأساتذة يخضعون لعين الرقيب الأمني. وتوسعت المظلة الأمنية لتشمل الحياة الطلابية؛ تنمية العشائرية في مواجهة الحزبية، والنزعات الإقليمية والجهوية في مقابل الخيارات الوطنية. وهكذا، اشتغلت ماكينة الدولة لتحطيم الطابع الأكاديمي والطلابي للجامعات، وتحويلها إلى مجرد مدارس تخرّج أجيالا من الشباب المتعصبين والمحتقنين.
وزاد الطين بلة التوسع في القبولات الاستثنائية والمكرمات، بما يتجاوز الأهداف التي وضعت من أجلها؛ فصار بوسع كل من يرغب في الدراسة الجامعية، بغض النظر عن تحصيله في التوجيهي، أن يلتحق بالجامعة، وفي تخصصات العلوم الإنسانية على وجه التحديد. ببساطة، دخل إلى الجامعات آلاف الطلبة الذين لا يهمهم سوى الحصول على الشهادة بعد أربع سنوات، لغايات الوجاهة الاجتماعية والوظيفة المضمونة في القطاع العام.
جميع المحاولات لإنقاذ مسار التعليم العالي من التدهور فشلت؛ استراتيجيات وخطط ومؤتمرات ظلت حبرا على ورق، بينما الخراب يطاول كل المناحي.
ببساطة، لم تتوفر الإرادة للإصلاح، ولم تعطَ الفرصة للقادرين على تولي مسؤولية القطاع، فالذي يأتي إليه بروح المصلح، يصاب بالإحباط بعد فترة قصيرة من حجم المقاومة التي يلقاها داخل "السيستم".
تابعوا طريقة الرسميين في التعامل مع الأحداث الجارية حاليا في الجامعات، ولا تتوقعوا غير المزيد من أخبار العنف والمشاجرات. لا شيء يبدو قابلا للتغيير أو الإصلاح.