خراب العقل العربي

يبدو أن الخراب الذي أصاب العقل العربي, لا يقتصر على بلد دون آخر، وإنما هو حالة عامة شملت هذه الأمة، من أقصى الشمال إلى أدنى الجنوب. ولم يتوقف الخراب عند حدود القتل وإسالة الدماء بغير حساب الذي تمارسه الانظمة ضد الشعوب، وإنما تعدى الامر الى الشعوب نفسها، التي فقدت بوصلة العقل وألغت دوره، ومارست نوعاً من التفكير الذي تحول إلى فعل تدميري طال التراث والتاريخ الحضاري للأمة بدون أي حساب للعواقب الكارثية.اضافة اعلان
لقد شاهد العالم مأساة إحراق المجمع العلمي المصري على هامش المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وقد وصفها المتحدث باسم الخارجية الفرنسية بأنها مأساة للثقافة العالمية، وأنها مخاطر تتهدد التراث الإنساني الذي تحتضنه مصر.
إن هذه الكارثة الثقافية أضافة إلى الكارثة المتمثلة بالوفيات والإصابات الناجمة عن المصادمات اليومية، تدفعنا الى السؤال: لماذا أصاب الخراب العقل العربي إلى هذه الدرجة المدمرة للأرواح والتراث والتاريخ.
ومنذ بداية ثورة الربيع في مصر، كان هناك سطو على الآثار وتجارة سوداء. ومن قبل مصر، تم إحراق معهد الآداب العربية في تونس في كانون الثاني العام 2010. لقد طال الحريق في المجمع العلمي المصري وثائق تاريخية وقطعا نادرة بعضها يرتبط بتاريخ وجغرافية مصر.. ووثائق ارشيفية تعتبر من نوادر التراث. ولم يتوقف الأمر عند حدود مصر وتونس، فقد سبق أن وقع التراث العراقي عند بداية الغزو الأميركي تحت طائلة السلب والنهب وتهريب الآثار إلى خارج الحدود، وكأن الشعوب العربية قررت الانسلاخ عن ماضيها، وإلغاء تاريخها وتراثها.
من المفهوم أن تكون هناك ردة فعل من المظلوم تجاه الظالم تتمثل في مقاومته، ولكن أن يتحول العقل العربي بردة فعله إلى إحراق تاريخه، والمتاجرة بتراثه، فهذا الأمر الجلل الذي لا يمكن تفسيره، إلا أن هناك خراباً واضحاً أصاب العقل العربي وأنحرف بسلوك أصحاب هذا العقل إلى منحدرات سحيقة.
من السهل أن يعاد ترميم المباني المحترقة وأن يعاد بناء المباني المدمرة، ومن الصعب أن يعاد إصلاح الوثائق المحترقة، والقطع التاريخية النادرة، ولكن من المستحيل أن يتم إصلاح الخراب الذي أصاب العقل العربي وأودى إلى تدمير سلوكه.
السؤال الأصعب؛ أيهما أقسى، المأساة الناجمة عن القمع والقتل وإسالة الدماء، أم المأساة الكارثية الناجمة عن تدمير التراث والتاريخ.

[email protected]