خريف العلاقات التركية-الإيرانية

ليس من المبالغة القول إن ربيع بعض الشعوب العربية قد خيّم على مناخ العلاقات الاقليمية والدولية، لدرجة أنه أصبح قادرا على تشكيل خريطة جديدة للتحالفات في المنطقة. مثل هذه الخريطة قد يراها البعض مؤقتة، وهو أمر فيه قدر من الواقعية، لكن هذا لا ينفي أنها تتشكل بشكل متسارع. كما أنها تحرك مسارات العلاقات الاقليمية في اتجاهات كان يصعب حتى التنبؤ بها قبل بضع سنوات.اضافة اعلان
طهران وأنقرة ربما هما المثال الأول الذي يمكن ضربه على التحول في العلاقات. فالبلدان خلال عصر الجمهورية الإسلامية في إيران انتقلا في علاقتهما بين ثلاث مراحل: الأولى، في عقد الثمانينيات وأوائل عقد التسعينيات. تركيا العلمانية اختارت التحالف مع الغرب، وتحسنت علاقاتها مع إسرائيل، وعارضت بشدة خطاب تصدير الثورة الذي ارتبط بالجمهورية الإسلامية. في المقابل، قطعت إيران علاقاتها مع إسرائيل، ووضعت نفسها في معسكر المؤيدين للمقاومة وتحرير الشعوب. كما أنها اعلنت سياسة معادية للولايات المتحدة الأميركية وسياساتها في المنطقة، بما في ذلك تركيا.
البلدان اللذان جمعت بينهما الجغرافيا السياسية، وتاريخ من التقارب والسجال السياسي، لم يتجاوزا تلك المرحلة إلا مع مجيء الإسلاميين إلى الحكم في أنقرة، وهي المرحلة الثانية في تطور العلاقات بين البلدين. إيران وجدت في نجاح الإسلاميين، رغم استمرار علاقات تركيا مع أميركا، خيارا أفضل من العلمانيين. فالإسلاميون أبقوا علاقات تركيا مع إسرائيل في مسارها، وعملوا على تحسين علاقاتهم مع إيران. ومن جانبها، عملت إيران على تقوية الخطاب الإسلامي كمنطلق لتقوية علاقاتها مع تركيا، وانتقدت دول الاتحاد الأوروبي التي تمانع انضمام تركيا للاتحاد، وكانت طهران ترى في موقف الدول الأوروبية ترجمة لروح التعصب ضد ما هو إسلامي. في سياق هذه المرحلة، لقيت إيران من تركيا دعما سياسيا في برنامجها النووي، وكانت المبادرة التركية-البرازيلية لإقناع إيران بوقف التخصيب، على أن يقوم طرف ثالث بهذه المهمة التي كانت تركيا مرشحة لها كوسيط موثوق به من قبل إيران.
هذه المرحلة انتهت مع تطورات ربيع بعض الشعوب العربية، وآذنت بدخول العلاقات إلى المرحلة الثالثة، وعنوانها الأبرز تباين المواقف حول بعض أحداث الربيع العربي، لاسيما في ليبيا وسورية والعراق. إيران رأت في وقوف تركيا مع "الناتو" لمساندة الثورة الليبية مساندة للولايات المتحدة. وهو الأمر الذي لم تتوقف عنده تركيا بسبب الانتقادات التي وجهت إليها من العرب على صمتها وتأخر مساندتها لثورة الشعب الليبي. لكن سورية والعراق شكلا التحدي الأبرز الذي واجه العلاقات التركية-الإيرانية.
تركيا لم تتردد في دعم حركة الشعب السوري، وهو الموقف الذي لم يرض إيران. وقد وصل الأمر حد اتهام إيران لتركيا بأنها تروج للإسلام الأميركي، وأنها أصبحت أداة أميركا في المنطقة. واعتبرت إيران نصب منصات صواريخ "باتريوت" في جنوب تركيا تهديدا لأمنها القومي، الأمر الذي انعكس في حرب إعلامية بين البلدين، وانتقادات متبادلة، أعقبتها تركيا بإغلاق نظامها المالي أمام انسياب المال الإيراني الذي يواجه صعوبات حقيقية بسبب العقوبات الاقتصادية. وامتد الإجراء التركي إلى انتقاد حكومة نوري المالكي في العراق، وسياسة إيران في هذا البلد، وأنها تمارس حرباً مذهبية هناك. كما أن أنقرة لا تتردد في مساندة إقليم كردستان في مواجهة حكومة المالكي.
خريف العلاقات بين أنقرة وطهران لا يبدو أنه مرشح للانتهاء قبل الوصول إلى نوع من التسوية فيما يتعلق بالوضع في سورية. لكن حتى إن حصل ذلك، فلا يبدو أن هذه العلاقات ستعود سريعاً إلى ربيعها الذي كانت عليه.

[email protected]