خسائر سياسية كبيرة

ايام العدوان الصهيوني الإجرامي على غزة ألحقت بالواقع العربي والفلسطيني السياسي خسائر سياسية إضافية لتزيد الواقع ترديا وبؤسا، وربما كانت بعض جوانب هذا الحال يفترض أن تكون مرشحة لخطوات إيجابية استثمارا لحالة يفترض التوحد فيها لمواجهة العدو الصهيوني.

اضافة اعلان

أولى الخسائر في الساحة الفلسطينية أن النظام الرسمي الفلسطيني المنقسم بين رام الله وغزة فشل في أن يقدم نموذجا وطنيا في التسامي على كل اشكال التناقضات والخلافات، وبدلا من أن تكون دماء واشلاء المئات بل الالاف من الشهداء والجرحى دافعا لانهاء التشرذم فان العدوان كان مدخلا لمزيد من التردي عبر تبادل الاتهامات، بل إن بعض هذه الاتهامات حمّل فيها طرف الآخر المسؤولية عن قيام العدوان.

وفي المقابل صدرت اتهامات لطرف بأنه شريك في العدوان، بل ويقدم معلومات أمنية للعدو عن أهداف في غزة، وقبلها كانت قضية سجن السرايا وغيرها من أشكال الاحتكاك السياسي التي كان يجب أن يمنعها قسوة العدوان. وبدلا من هذا التراشق، كان يجب أن تكون اللغة واضحة بأن المسؤول عن العدوان هو المحتل فقط وتأجيل كل الخلافات الى ما بعد انتهاء شلال الدم.

خسارة سياسية ووطنية كبيرة أضيفت إلى الوضع الفلسطيني المتردي، وبغض النظر عن الطرف المسؤول فإن الحالة المأساوية كانت تستدعي من الطرف الأكثر حكمة ولا ندري من هو أن يترك الصغائر وأن يترك من يريد لفت الأنظار بقصد أو من دون قصد عن القضية الكبرى، وهي وجود عدوان، وكان الشعب الفلسطيني يستحق من نظامه الرسمي المنقسم أداءً أكبر من هذا لا أن تكون شاشات الفضائيات مكانا للمواجهات الاعلامية وتبادل الاتهامات التي اقل تأثيراتها اهدار التعاطف مع الشعب المظلوم من قياداتها والمستباح من عدوه.

أما الخسائر الاخرى فكانت في الواقع العربي المتردي أصلاً، طبعا كان هناك اخطاء وتقصير وضعف. وهذا لا يظهر مع قضية غزة فحسب، بل مع كل موقف صعب يتعرض له اي شعب عربي.

فلبنان عرف معنى الضعف العربي يوم ان كان العدوان عليه عام 2006، وفلسطين تعلم هذا جيدا مع كل المحطات المأساوية. لكن ما جرى خلال ايام العدوان الاخيرة، ليس اكتشافنا للتردي العربي، بل الخسائر الإضافية التي نتجت عن تعمق سياسة الانقسام بين بعض المحاور، وكان هناك استغلال للحدث لتصفية حسابات اقليمية، وكان هناك تجيير للتحرك الشعبي ليس باتجاه رفع الصوت في رفض العدوان بل في تعميق حالة عربية سلبية وخدمة خلافات كانت قد ظهرت قبل العدوان.

التفاصيل في هذا كثيرة وشاهدها الناس على مناظرات الفضائيات التي تحولت بعض برامجها ليس لنقاش اثار العدوان فقط بل لتبادل الاتهامات العربية, وهذا سيجعل من عدوان غزة يحقق اهدافا اخرى وهي تعميق تشرذم عربي وظهور خلافات كانت نائمة لتتحول إلى أزمات، فضلا عن هدف اخر حققه الكيان الصهيوني وهو تأكيد القناعة بأن الحال الفلسطيني أصبح باعثا على اليأس من أنه سيتخلص من انقسامه. فالسلطة ذات السيادة المسلوبة تحولت الى قطعتين سياسيتين واصبحت نموذجا عربيا متقدما في الانقسام تصغر أمامه نماذج عربية أخرى.

العدو الصهيوني لم يقتل ويهدم في غزة فقط، لكنه أصاب أهدافا سياسية كبيرة، وقدمنا بوضعنا العربي والفلسطيني المتردي، لهذا المحتل أرضية جعلت من السهل عليه أن يحقق اهدافا اضافية خارج حدود غزة.

[email protected]