خطاب استثنائي

خطاب جلالة الملك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين يعتبر خطاباً استثنائياً بكل المقاييس. وقبل الدخول بمضامين الخطاب ودلالاته، فإنه جاء معبرا عن الضمير الإنساني والوجدان العربي والأردني لما تضمنه من قيم قامت على أساسها الأمم المتحدة وميثاقها، وهي حقوق الإنسان والعدل والمساواة وحق تقرير المصير.اضافة اعلان
تكمن أهمية الخطاب باستنهاض المجتمع الدولي بالعودة لمبادئ الأمم المتحدة والعودة للعمل الجماعي في إيجاد حلول للمشكلات العالمية والإنسانية المستعصية، التي ولدتها الأزمات العالمية والإقليمية، والتي أصبحت تهدد الأمن والاستقرار العالميين. مشكلات المناخ والنزاعات والتهجير القسري، وإقصاء الشباب، وحرية الأديان هي مشكلات تعاني منها أغلب شعوب العالم، وبشكل مسبوق في منطقتنا العربية.
الدلالة المهمة لهذا الطرح هي الحاجة الملحة للعمل الجماعي من خلال الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا في ضوء التراجع غير المسبوق في دور الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار في العالم والمنطقة، في وقت تقوم بعض الدول العالمية والإقليمية بتنفيذ سياساتها وفقا لمصالحها الخاصة، ضاربة بعرض الحائط بالقيم والمبادئ الأممية، مهمشة بذلك دور الأمم المتحدة التاريخي بالعمل على إيجاد حلول جماعية ملتزمة بالمبادئ الأممية لحل هذه المشكلات والنزاعات.
كانت هذه المبادئ مدخلا للحديث عن الصراع الإسرائيلي، والتذكير بأن مبدأ حل الدولتين هو بالأساس قرار أممي، وأن المجتمع الدولي قد تخلى عن مسؤوليته الأخلاقية والسياسية تجاه الشعب الفلسطيني، والذي أقرت الأمم المتحدة حقه بتقرير المصير.
لذلك، أكد جلالته على أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يمكن أن يتم وأن يكون مستداما إلا إذا كان مبنيا على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني من خلال حل الدولتين القائم على احترام حقوق كافة الأطراف السياسية والإنسانية والدينية أيضا، وهو الضمانة الوحيدة للسلام والاستقرار بالمنطقة.
إن بديل حل الدولتين – حل الدولة الواحدة على سبيل المثال – سيؤدي إلى تأجيج الصراع من جديد، ويؤدي إلى نشوء الدولة العنصرية بالضرورة، وتؤسس لنظام الابارتهايد العنصري، والذي سيكون على حساب حقوق الفلسطينيين من جانب، ويؤسس لمرحلة جديدة من القهر والصراع.
كذلك أكد الخطاب على ضرورة ضمان حرية الأديان، حيث أن القدس مهمة للأديان السماوية الثلاثة، ولا بد لأي حل أن يصون هذه الحريات، ويجب أن لا يسمح لأي طرف حرمان الأطراف الأخرى من ممارسة حقوقها المدنية والإنسانية المشتركة بين الأديان الإبراهيمية، التي يجب أن تكون عامل وحدة لا تفرقة، وذلك لا يمكن تحقيقه بدون أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية مع استمرار الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
إن مواقف الملك نحو القضية الفلسطينية وحل الدولتين معروفة، وتم التأكيد عليها في كافة المحافل الدولية والوطنية، وفي اللقاءات مع قادة الدول. الجديد في الخطاب الملكي هو الدعوة للمجتمع الدولي وللمبادئ التي قام عليها ميثاق الأمم المتحدة المبنية على العيش بسلام والحقوق للجميع، وضرورة عودة القضية الفلسطينية لحضن الأمم المتحدة بديلا للتفرد الحاصل حاليا بالقضية الفلسطينية.
وأخيرا، لقد جاء خطاب الملك يعبر عن الضمير الإنساني والعربي والأردني مع أسس ومبادئ الدولة الأردنية والهاشمية والتي تقوم على العدل والسلم والمساواة والتي ميزت مسيرة الدولة الأردنية الطويلة.