خطاب الكراهية











بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، زاد انقسام الشارع العربي، ومن يراقب مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك"، يلاحظ ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية، وحِدّة العنف وكيل الشتائم والتخوين، والمهم في الأمر أن من يقدم هذا الخطاب ليس بسطاء الناس، بل هم المثقفون وأصحاب التوجهات السياسية، فهم يحاسبونك على ما في عقلك وضميرك حتى وإن لم تجاهر وتبوح به.اضافة اعلان
بعد "ثورة" تونس وما تبعها من "انتفاضات" شعبية في مصر واليمن وليبيا، حدث تقارب واسع بين مختلف التيارات السياسية، وكان قادة الإسلام السياسي مع اليساريين والقوميين والليبراليين في خندق واحد، يعملون وينسقون لإسقاط أنظمة الحكم المستبدة برأيهم، ولكن "شهر العسل" لم يدم طويلاً، فكانت الثورة السورية أول مسمار يدق في نعش العلاقات بين التيارات السياسية، فهناك من وقف جانب الشارع المنتفض باعتباره ثورة، وهناك من وقف إلى جانب نظام بشار الأسد واصفاً ما يحدث بأنه مؤامرة كونية على نظام الممانعة، واختلطت الأوراق وتباعدت الصفوف والمواقف.
ظل الخلاف حول الموقف مما يجري في سورية ممكناً ومحتملاً، خاصة بعد أن تدفق الآلاف من أنصار الجماعات الإرهابية، خاصة جبهة النصرة، وجاءت التطورات المصرية وصراع كسر العظم بين الإسلاميين والتيارات السياسية الأخرى لينهي تماماً حالة التوافق، وليزيد حالة الاحتقان والانقسام، وما كان ممكناً صار مستحيلاً.
خطر ما يحدث في مصر الآن لا ينحصر في هذا البلد العربي الكبير، بل يمتد إلى كل بلدان المنطقة، وكأننا نشهد معركة ستؤثر نتائجها على كل الوضع الميداني في كل البلدان العربية، ولن يتوقف الأمر عند حدود بلدان الثورات، والكل يتحسس رأسه انتظاراً لما ستؤول له الأوضاع في مصر.
في الأردن تداعيات الأزمة كانت واضحة، فالحركة الإسلامية تعلم أن هزيمة الاخوان بمصر تعني تقليم أظافرهم أكثر فأكثر، وأن سقف مطالبهم في الإصلاح سيتراجع، وأن الأمر يتجاوز اشتداد الصراع مع الحكومات وأجهزتها الأمنية، وإنما سيمتد إلى حلفائهم من التيارات السياسية الذين سيتخاصمون معهم، على خلفية الموقف من عزل الرئيس مرسي.
مشكلة الحركة الإسلامية أنها تنظر لمن حولها بأنهم خصوم إن لم يتفقوا معها. والإسلاميون يقدمون أنفسهم دائماً بأنهم "ضحايا"، ويتعاملون بخطاب عدائي مع الآخر دون إمعان أو حتى قراءة موضوعية لما يقول، فإما معي أو أنك ضدي.
وللإنصاف؛ فالقصور في فهم الديمقراطية وحقوق الإنسان قولاً وممارسة وفعلاً مشكلة عامة عند كل التيارات السياسية، ومنهم الإخوان، فنحن نتمسك بالديمقراطية حين نكون ضحايا، أو نقدم أنفسنا كذلك، وحين نصل إلى السلطة أو نتحالف معها ندوسها بالأقدام ونتخلى عنها وكأنها "زائدة دودية" لا لزوم لها للإنسان والمجتمع والحُكم.
هذه القاعدة في التعامل مع الديمقراطية تجسيد لما حدث ويحدث في مصر، فالإخوان لم يبكوا على الديمقراطية إلا بعد عزل مرسي، وقبل ذلك كانوا إقصائيين، وهو ما تفعله القوى السياسية الأخرى الآن حين لا تلتفت للاستبداد الذي يمارس ضد الإخوان، وتقدم الغطاء لكل التجاوزات على حقوق الإنسان وحرية التعبير والإعلام بعد عزل مرسي واستلام الجيش للحكم فعلياً.
لم تصغِ كل القوى المصرية بما فيها الإخوان لخطاب العقل الذي قدمته مجموعة من مؤسسات المجتمع في بيان لها، وهو الموقف الذي أتبناه وأنحاز له، ويتلخص بإدانة الاستخدام المفرط للقوة من جانب الجيش، وضرورة الالتزام بالمعايير الدولية في التعامل مع المتظاهرين، والالتزام باستخدام القوة فقط لدرء خطر السلاح من قبل المسلحين، وتأمين الحماية لكل المتظاهرين وأولهم أنصار الرئيس محمد مرسي، وفي الوقت ذاته إدانة التحريض على العنف والقتل، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ونزيهة لتحري ما حدث أمام الحرس الجمهوري وفي كل الأماكن، وإعلان نتائج التحقيق ومعاقبة كل من يثبت تورطه بهذه الجرائم، وأخيراً عدم الزج بالقضاء في الخصومات السياسية.
هذا الموقف المبدئي والحقوقي مهم جداً لسحب فتيل الأزمة، وحقن الدماء، والمضي إلى تشكيل لجنة مصالحة وطنية مقبولة من كل الأطراف لإيجاد مخرج يصون مصر، فالتحشيد لا ينقذ أحداً، والتحريض وخطاب الكراهية لا يصنع وطناً لكل الناس.

[email protected]