خطاب الملك في الجمعية العامة للأمم المتحدة

د. محمد حسين المومني يحرص الأردن، في كل عام، على أن يشارك في مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة. جلالة الملك سنويا يلقي خطابا يحدد فيه مواقف الأردن وتقييماته للتحديات والفرص سواء كانت في الإقليم أو على المستوى العالمي. في هذا العام، كان صوت الأردن مصدرا للحكمة والعقل كما تعود عليه العالم، حدد تحديات رئيسية تواجه العالم ودوله، يعلوها التغيير المناخي والأمن الغذائي، داعيا الجميع للتعاون من أجل مواجهة هذه التحديات، لأنه لا دولة وحدها قادرة على أن تتعامل مع هذه التحديات بمفردها، ولأن هذه التحديات لا تعرف حدودا، ولا أحد بمنأى عنها. إقليميا، حدد جلالة الملك أزمة اللاجئين ببعديها الفلسطيني الأونروا، والسوري، كتحديات رئيسية على العالم ألا يتخلى عن مسؤوليته الأخلاقية والقانونية تجاهها. ثمة ضعف وإنهاك وتراجع في الإقدام الدولي لدعم اللاجئين، وهذا أمر لا يستقيم مع منظومة قيم الأمم المتحدة، ولا مع واقع الحال الذي يقول إن مشكلة اللاجئين عابرة للحدود وليست مسؤولية الدول المستضيفة وحدها، وإن دعم الدول المستضيفة ليس كرما ولا منة، بل واجب أخلاقي وقانوني ومصلحة للدول لأن انفلات مشكلة اللاجئين سوف يطال الجميع ولن يستثني أحدا، وهذا ما رأينا تمرينا بالذخيرة الحية بشأنه بتحدي اللجوء السوري، الذي ضرب قلب أوروبا، وهدوء الملف نسبيا الآن لا يعني أنه انتهى. جلالة الملك قدم رؤية متقدمة أيضا حول ضرورات التعاون الاقتصادي والشراكات الإقليمية لأنها ضرورية للتعامل مع تحديات الاستقرار في المنطقة من بطالة وفقر وانعدام المساواة، وهذه تحديات حقيقية موجودة ولدت مناخا يتغذى على التطرف والتعصب. الملك أكد ضرورة أن يكون الفلسطينيون شركاء وأطرافا في مشاريع التنمية الإقليمية حتى يحصلوا على بعض العدالة المفقودة عنهم، وحتى تتحسن أحوالهم التي تعاني الأمرين. القضية الفلسطينية كان لها نصيب وافر من صوت الأردن في أرفع منبر دولي، ذلك أن هذه القضية ترتبط مباشرة بالمصالح الوطنية العليا للدولة الأردنية. الملك ذكر العالم بالعدالة الغائبة عن فلسطين، وأنه لا الحرب ولا الدبلوماسية آتت أكلها وأنصفت الشعب الفلسطيني، وهو صاحب الحق القانوني والسياسي والأخلاقي والتاريخي في دولة لم تر النور بعد عاصمتها القدس الشرقية. القدس مدينة السلام، ويجب أن تكون عنوانا للوئام والتراحم والمحبة، لا الصراع والعنصرية والتفرقة، والملك المعظم ذكر العالم باللاإنصاف الذي يتعرض له الفلسطينيون بالقدس، فهي مدينة طاردة لهم بسبب عنصرية الاحتلال وإجراءاته. واجه خطاب جلالة الملك حملة من الإعلام الإسرائيلي بسبب دفاعه، كقائد مسلم، عن المسيحية في بلادنا، التي رعاها خلفاء المسلمين منذ العهدة العمرية، وجلالة الملك يحمل هذا الإرث العظيم من أجداده على كتفيه. ما قاله الملك هو الحق، فمسيحيو القدس من العرب يهجرونها، وهذه حقيقة ساطعة لا يمكن إخفاؤها، وهم يهجرونها بسبب العنصرية والإجراءات التي يمارسها الاحتلال، علما أنهم عاشوا بها بسلام لآلاف السنين تحت حماية الدول الإسلامية والعربية التي تعاقبت على القدس. الأردن كان وما يزال وسيبقى صوت الحكمة والعقل والمصداقية، وأيقونة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وكلام مليكه مؤثر عميق نرى أصداءه أفرحت الأصدقاء وأغضبت من سواهم. المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان