خطاب بنس انتصار لليمين الإسرائيلي المتشدد

هآرتس

حيمي شليف

23/1/2018

نائب الرئيس الأميركي مايك بنس القى أمس أحد الخطابات الصهيونية جدا التي ألقيت في يوم ما في الكنيست، بالتأكيد من قبل سياسي اجنبي. بالنسبة لأغلبية الإسرائيليين الخطاب تبنى الرواية الصهيونية دون زيادة أو نقصان، وطرح دعم أميركي غير مشروط لكل القرارات التي اتخذتها إسرائيل. وبالنسبة ليهود ومسيحيين مثل بنس نفسه فإن الخطاب كان حسب رأيه حلم تحقق، مسرعا لقدوم المسيح ويوم القيامة. وبالنسبة للفلسطينيين، كم هذا غير مفاجئ، الامر يتعلق بصفعة اخرى، ذنب التجاهل اضيف إلى جريمة الاعتراف بالقدس، مبرر آخر لتخلي محمود عباس عن ادارة ترامب، ومحاولته العقيمة أمس في بروكسل لايجاد بديل دولي آخر.اضافة اعلان
اثناء انتقاده للفلسطينيين لأنهم غابوا عن طاولة المفاوضات، عرض بنس نظرية صهيونية مرتبة حول الحقوق الدينية والتاريخية لليهود في أرض إسرائيل، وكأن الفلسطينيين لم يكونوا في أي يوم. لقد عبر عن تأييده تماهيه مع "الثمن الفظيع" الذي اضطرت إسرائيل لدفعه في الحروب، لكن الاحتلال الذي مر عليه نصف قرن لم يذكره، ولا نريد التحدث عن المعاناة التي يسببها. لقد دفع ضريبة كلامية لعملية السلام لكنه اوضح أن الولايات المتحدة في عهد ترامب لن تتخذ أي موقف خاص بها في أي موضوع يتعلق بالحل الدائم، ومن المعروف أن الفلسطينيين يمكنهم نسيان أن الولايات المتحدة ستضغط على إسرائيل من اجل التنازل. عندما اعترف بالقدس، قال بينس، فإن ترامب فضل "الواقع على الخيال"، وهذا ادعاء يمكن بسهولة أن يبرر أيضا الدعم الأميركي لضم يهودا والسامرة لاحقا.
ما هو الغريب في أن بطلي الدبلوماسية المؤيدة للاستيطان، السفير رون ديرمر والسفير ديفيد فريدمان، راقبا من الشرفة برضى ما يقوم به البطل المسيحاني الخاص بهم. وما هو الغريب في أن التحالف القوي بين الأميركيين المسيحانيين والصهاينة المتدينين والمستوطنين والرافضين للفلسطينيين مهما كانوا، قد احتفل بأجمل ساعاته. فرسان السيف والتوراة، مثلما سمت برباره توخمان كتابها عن إزهار الصهيونية. لقد حدث في بريطانيا العظمى – استولوا أولا على مكتب رئيس الحكومة في القدس، وبعد ذلك البيت الابيض في واشنطن وأخيرا قاموا بتحطيم الفلسطينيين.
في الاساس كان هذا يوم عيد لنتنياهو، الذي تجول كعريس في هودجه متفاخرا بعروسه الجميلة ومهرها السخي بعد سنوات من المعاناة في ظل رؤساء ديمقراطيين لم يتفقوا معه، وحتى لم يتحملوه، فإن نتنياهو حظي اخيرا بالراحة والإرث لدى إدارة عدوانية ومحافظة، رأيها بالمسلمين اسوأ منه. لقد توصل إلى ثنائية كاملة من جهته. الولايات المتحدة وإسرائيل ضد كل العالم، وهناك من يصفونها بالعزلة غير الحذرة المحاطة بالاخطار. في الوقت الذي تلاحقه فيه التحقيقات في الشرطة والحوانيت المغلقة في ايام السبت تضعضع قاعدته، فإن نتنياهو يمكنه الادعاء بهدوء أنه حقق انتصار تاريخي على اليساريين الذين تنبأوا له منذ سنوات بالهزيمة السياسية والايديولوجية. برحابة صدره، مكن أمس بنس من استخدام منصة مقر رئيس الحكومة من اجل مهاجمة اليسار في بيته، لماذا لا، فكلهم يساريين.
بنس لم يتحدث بشكل جيد فقط، بل احضر معه البسكويت الجيد، الذي أثار جمهور مشجعيه. لقد خلق أنباء عندما أعلن أن السفارة الأميركية ستنقل إلى القدس حتى نهاية السنة القادمة. وقد صادق على أنباء قديمة مرغوبة جدا على نتنياهو عندما قال إن ترامب لن يصادق على الاتفاق النووي "الكارثي"، بالطبع مع إيران. حتى أن بنس كتب فصل جديد في التاريخ المزيف عندما ادعى أنه لم يكن هناك أي رئيس عمل من اجل العلاقة بين الدولتين مثل ترامب، وهذا تصريح تعتبر كلمات "مبالغة وحشية" صغيرة عليه.
من خلال اعترافه بالقدس، هكذا يمكننا أن نفهم، فإن ترامب عتّم على اعتراف ترومان بإسرائيل وعلى السلاح الدفاعي الذي قدمه كنيدي، والسلاح الهجومي الذي قدمه جونسون، والقطار الجوي الذي قدمه نيكسون، والسلام مع مصر الذي جلبه كارتر، والتحالف الاستراتيجي الذي وطده ريغان، واحتلال العراق في ولاية بوش الأب، والدعم القوي من بوش الابن، والدعم بعيد المدى من باراك اوباما. في عالم الوهم والتغريدات لولاية ترامب، الذي يصفه نتنياهو بفارس الشعب اليهودي دون الانفجار من الضحك، أيضا هذا يمكن أن يظهر منطقيا.
الائتلاف صفق لبنس باطمئنان وبحق: خطابات مشابهة وربما أقل حدة كانت ستسمع أيضا في مركز الليكود والبيت اليهودي. بالنسبة للمعارضة، في المقابل، لم يكن لديها خيار سوى الابتسام والتصفيق وكأنهم مسرورون، رغم أن اعضائها فهموا جيدا قيمة الهدية السياسية التي منحها بنس لنتنياهو، والاحتمال الآخذ في التلاشي لتجديد العملية السلمية في المستقبل القريب.
فقط أولئك (النواب) العرب مرة اخرى لم يعرفوا كيف يجلسون بهدوء، واحترام الرئيس الاكثر عدائية لشعبهم من بين جميع الرؤساء، لهذا تم طردهم من الكنيست في اللحظة التي رفعوا فيها لافتات كتب عليها أن القدس عاصمة فلسطين. يبدو أن أحدا في مكتب رئيس الكنيست لم يفكر كما يبدو بأن الطرد التلفزيوني لأعضاء الكنيست العرب، فقط لأنهم تجرأوا على رفع اللافتات، سيتم النظر اليه في ارجاء العالم كتصديق لكل الادعاءات التي يطرحونها ضد إسرائيل، ديمقراطيتها الانتقائية وتعاملها مع الفلسطينيين أينما وجدوا. فقط بسبب هذه الحادثة يجب ضخ عشرات ملايين الشواقل لمكتب جلعاد اردان، من اجل اجتثاث الغرباء الذين يريدون استغلال ذلك من اجل دعاية رخيصة.
هل خطاب بنس سيتم تذكره كما عرض أمس كنقطة ذروة في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ونقطة انعطاف ايجابية للمستقبل، أو حصة اخرى في ماراثون الغباء الذي يشارك فيه الفلسطينيون وإسرائيل منذ العودة إلى صهيون؟ الايام ستقول ذلك. المؤمنون المتعصبون بأن بنس هو الآن بطلهم، وفي المقابل لا يجب عليهم الانتظار. لا توجد لديهم شكوك. لو تجرأوا أمس بشكل اكبر لكان يمكنهم تخيل الفرسان الاربعة في يوم القيامة، أو "الترامبو كلبسة"، على اسم أحد الكتب حول الادارة – الذين يطوقون الكنيست في نهاية الخطاب، بعد ذلك سماع الابواق السبعة التي تبشر بقدوم المسيح، كما ثبت في رؤيا يوحنا، وفي النهاية الانتهاء من حرب يأجوج ومأجوج التي ربما تقف على الابواب، والتي لم تستطع إسرائيل وواشنطن تمييزها بسبب ضباب الغطرسة المحيط بهما.