خطايا واشنطن

على مرّ العقود الماضية، انتهج الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، أسلوب "محاولة الإنهاء" في التعامل مع الحركات والتنظيمات؛ الإرهابية والجهادية والتحررية، من غير أن يستطيع رؤية الجذور الاجتماعية والثقافية، وأيضا، العوامل السياسية التي أسهمت في تفريخ مثل تلك التنظيمات.اضافة اعلان
آخر سلسلة الخطايا التي يقترفها الغرب، جاءت في تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما، عبّر فيه عن رفضه التام لأي محاولات احتواء لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، عندما أكد أنه لا يمكن احتواء هذا التنظيم، لذلك يجب القضاء عليه.
اليوم الأربعاء، يستعد الرئيس أوباما لإعلان ما يشبه خريطة الطريق تجاه "داعش"، والتي ستتبناها واشنطن بالاشتراك مع حلفائها في المنطقة والعالم، وهي لن تخرج في منظورها العام عمّا اعتاد الغرب تكريسه من تعامل تجاه التنظيمات الخارجة عن منظومته، عندما يقرر التوقف عن الاستفادة منها.
الخطأ الفادح في المفهوم الأميركي المهووس بنموذج "الكاوبوي" في تعاطيه مع ما يظهر من قوى في المنطقة، هو تجاهل العوامل الاجتماعية والثقافية التي ساهمت في ظهور تنظيم إرهابي متطرف مثل "داعش"، وأيضا تجاهل تام إلى أن خطورة التنظيم لا تكمن، فقط، في بضعة آلاف من المقاتلين في العراق وسورية، بل تتعداه نحو فكر كامل يتبناه مئات الآلاف، وربما ملايين الأشخاص المحبطين في المنطقة والعالم.
إن طريقة تعامل واشنطن مع "القاعدة"، قاد إلى تفريخ أكثر من نهج للتنظيم، وجميعها جاءت أكثر تطرفا وعنفا من التنظيم الأم. وفي الوقت الذي تبنت فيه "القاعدة" بقيادة أسامة بن لادن رؤية واضحة تجاه الصراع وإدارته، فإن التنظيمات التي تفرعت عنها، خصوصا ما بعد العام 2003، خلطت الكثير من الأوراق، وقلبت مفاهيم الصراع، وأحالته، في معظم الحالات، إلى صراع ونزاع داخليين، أججت من خلالهما روح الإقليمية والطائفية.
إن الأسباب الرئيسة التي أنتجت وما تزال تنتج مثل هذه التنظيمات في العالم العربي، تتحدد في ثلاثة: أولها، الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومحاولات تمدده واعتداءاته المتكررة على العرب. وثانيها، إيمان العالم العربي بنظرية المؤامرة من الغرب تجاه أي هدف وحدوي؛ سواء قوميا أو دينيا. وأخيرا، عدم القناعة بأهلية الأنظمة العربية القائمة، وإحالتها على أنها من بقايا "سايكس-بيكو"، ما ترى معه تلك التنظيمات ضرورة لبديل وطني يصدر عن رؤية توحد العرب.
عجز الأنظمة العربية دائما في التعامل بواقعية وشمولية مع ملف التطرف في المنطقة، وطريقة إدارة الغرب لهذا الملف، جعل دائرة النار تتسع باستمرار. وها نحن اليوم على وشك أن نشهد اتساعا آخر، وفي وجداننا أنه ما تدخلت واشنطن في منطقة، إلا وجاءت النتائج أسوأ بكثير مما كان عليه الأمر في البداية.