خطة استراتيجية للتنمية المستدامة

شهد العقد الماضي 2010 وحتى 2020 مجموعة من الأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي، كان آخرها انطلاق جائحة كورونا في نهاية العام 2019 من الصين وانتشارها في مختلف دول العالم قاطبة مخلفة وراءها خسائر وصل حجمها ترليونات من الدولارات وخروج ملايين من سوق العمل وتكبد خسائر في الأرواح تجاوز عددها 2.7 مليون شخص.اضافة اعلان
إن أهم ما يميز العقد الماضي هو استمرار تحقيق الاقتصاد الأردني لمعدلات نمو إيجابية تراوحت ما بين 1.8 بالمائة كحد أدنى و3.1 بالمائة كحد أعلى، حتى العام 2019 بالرغم من الظروف غير المواتية، مع استثناء العام الماضي نتيجة أزمة كورونا. بالمقابل، واصلت معدلات البطالة بالارتفاع لتصل إلى 24.7 بالمائة في الربع الأخير من العام 2020 تخللها انخفاضات بسيطة عامي 2012 و 2014. وخلال ذلك العقد، عاد قطاع منتجو الخدمات الحكومية ليحتل المرتبة الثالثة بدل قطاع النقل والاتصالات وبنسبة مساهمة في الناتج وصلت إلى 13.5 بالمائة.
وبنفس الوقت، استمر قطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال باحتلال المرتبة الأولى في كونه القطاع القائد للنمو الاقتصادي في المملكة، وبنسبة مساهمة في الناتج بلغت 22.1 بالمائة ، واستمر أيضا قطاع الصناعات التحويلية بالاستحواذ على المرتبة الثانية في قيادة النمو الاقتصادي وبنسبة مساهمة في الناتج وصلت الى 19.4 %.
الدراسة التي قام بها مركز التنمية الدولية بجامعة هارفارد العام 2019 لفهم المجالات الموجودة والكامنة للميزة النسبية للأردن توصلت إلى نتيجة فحواها أن استراتيجية النمو في الأردن يجب أن تكون مدفوعة بالصادرات والاستثمارات التي تدعم نمو الصادرات بشكل مباشر أو غير مباشر.
ورأت الدراسة أن تتركز الصادرات في ثمانية قطاعات وهي الأعمال التجارية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات المهنية، وخدمات التعليم، وخدمات الرعاية الصحية، والصناعات الإبداعية، والسياحة، والنقل والخدمات اللوجستية ومواد البناء والخدمات، والزراعة وتجهيز الأغذية. وأشترطت أن تستخدم هذه القطاعات الطاقة المتجددة وأن تكون كثيفة العمالة لتشغيل الباحثين عن العمل وخاصة النساء.
دراسة أجريت في البنك المركزي أظهرت أن قطاع الصناعة التحویلیة جاء في مقدمة القطاعات الاقتصادیة من حیث علاقاته التشابكیة وقیمة المضاعف، حیث بلغ المضاعف الإجمالي لهذا القطاع تقريبا 2.2 لكل دینار ينفق في هذا القطاع. كما أظهرت أن قطاع الكهرباء والمیاه حل في المرتبة الثانیة (إجمالي المضاعف 2.033)، ثم المطاعم والفنادق (إجمالي المضاعف 1.968) في المرتبة الثالثة، ما يعني أن هذه القطاعات هي أكثر القطاعات الرائدة في الاقتصاد الأردني.
ومن الواضح أن قوة الاقتصاد الأردني مرهونة بعدة عوامل محلية وخارجية مؤكدة وأخرى غير مؤكدة. ومع ذلك فاننا نتطلع إلى الأمام في محاولة لاستقراء الأداء المحتمل في العقد المقبل. إن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي على مدى الأعوام المقبلة سيعكس التأثير الإيجابي للانتعاش المحتمل الذي سيبدأ مع بداية العام 2022 بعد أن يتم السيطرة على انتشار فيروس كورونا الأصلي والمتحور.
لا بد من المباشرة في وضع خطة إستراتيجية وطنية للتنمية المستدامة تكون عابرة للحكومات في الأردن، يشارك فيها كل القطاعات والجهات المعنية من حكومة وقطاع خاص وهيئات مجتمع مدني.
وهذا يعني الانتقال إلى مرحلة التخطيط الاستراتيجي العلمي المبني على السيناريوهات العلمية والنماذج الاقتصادية والإحصائية والرياضية المتقدمة، خاصة مع توفر الكفاءات البشرية في الأردن والتي تستطيع القيام بذلك.
كل ذلك سيساهم في توفير مدخلات علمية تمكن متخذ القرار من وضع السياسات الملائمة وأخذ القرار السليم، بعيدا عن سياسة التجربة والخطأ لان ثمنها باهظ على الاقتصاد والناس.