خطة اقتصادية عابرة للحكومات!

أحمد عوض طغى على الأوساط الاقتصادية والسياسية خلال الفترة الماضية خطاب يؤكد على أهمية أن تكون خططنا الاقتصادية عابرة للحكومات، بحيث لا تتغير مع تغيير الحكومات في الأردن. هذا الخطاب وانعكاساته يبعثان رسائل بأن هنالك حاجة للقطاع الخاص والفاعلين الاقتصاديين في استقرار السياسات الاقتصادية، وهذا إيجابي في جانب منه، حيث أن استقرار السياسات الاقتصادية من شأنه أن يمكن الفاعلين الاقتصاديين من العمل في بيئة أعمال توفر حيزا مقبولا من حالة اليقين واستقرار السياسات. الا أن العمل وفق خطط وسياسات اقتصادية عابرة للحكومات، من شأنه أن يضعف أكثر فأكثر من أدوار الحكومات في رسم سياسات تميز حكومة عن غيرها. المنطق السياسي والممارسات الفضلى في العالم تشير إلى أن ما يميز حكومة عن أخرى يتمثل في جملة السياسات التي تعمل على إنفاذها، وبخاصة سياساتها الاقتصادية. عندما نتحدث عن سياسات اقتصادية، فهي تشمل -على سبيل المثال وليس الحصر- السياسات الضريبية وسياسات العمل وسياسات الاستثمار وغيرها، وهي الملامح الأساسية التي تميز حكومة عن أخرى. وهذا يستدعي التساؤل عن جدوى تغيير الحكومات في الأردن، إذا كانت الحكومات ملزمة بتطبيق سياسات اقتصادية ثابتة وغير قابلة للتغيير، ولا تعبر عن توجهات طاقمها ورئيسها، فإن دورها سيقصُر على تنفيذ خطط وسياسات اقتصادية، ليس لها أي دور في تطويرها. نموذج اعتماد خطط وسياسات اقتصادية عابرة للحكومات الذي يجري العمل على تكريسه، ولا تستطيع الحكومات رسم وتطبيق سياسات ضريبية واستثمارية وعمل على سبيل المثال، ينزع عن الحكومة صفة أنها حكومة قادرة على إحداث تغيير، فأعضاؤها ورؤساؤها ليسوا أكثر من مديرين تنفيذيين، وهذه ليست سمات الحكومات. هذه الوصفة لا يمكن أن تساهم في تحقيق إنجازات أو اختراقات تخرجنا من المأزق الذي نعاني منه، حيث التباطؤ الاقتصادي المزمن، ومعدلات البطالة المرتفعة جدا، ومعدلات الفقر الكبيرة، بما يترتب عليها من عجوزات في الموازنة العامة وارتفاعات متتالية في الدين العام، أكان داخليا أم خارجيا. يبرر بعض الاقتصاديين تشجيعهم لتطبيق وصفة الخطط العابرة للحكومات، أن حكوماتنا لا تتشكل على أسس حزبية، وبالتالي فإن طواقمها ورؤساءها لا يمثلون تيارات سياسية، وليس لديهم رؤى اقتصادية محددة تمكنهم من رسم سياسات اقتصادية محددة تختلف عن غيرها من الحكومات، وبالتالي لا داعي لتغيير هذه السياسات من الحكومات. وهنا من حقنا أن نقول، إذا لم يكن للحكومة (أي حكومة) ورئيسها فلسفة أو إطار سياسي يحكم ويوجه عملها، فلا داعي لوجودها، لأن الإداريين والفنيين لا يقودون الاقتصاديات الوطنية، بل السياسيون هم من يقودونها، وتقصر أدوار الإداريين والفنيين على مساعدتهم في ترجمة توجهاتهم إلى سياسات قابلة للتطبيق. وهذا هو المنطق الذي يحكم عمل الحكومات في جميع الدول المتقدمة. على مسؤولينا الرسميين والاقتصاديين الخروج من دائرة أن الاقتصاد وسياساته مسألة فنية بحتة، لأنها ببساطة مسألة سياسية، ودائما وأبدا (شئنا أم أبينا) فهي تعبر عن مصالح اجتماعية، يستفيد منها بعض الجهات، ويتضرر منها بعضها الآخر. وهذا يدفعنا للمطالبة بالتخلي عن فلسفة الخطط العابرة للحكومات، لأنها ستضع عراقيل أمام تطور الحياة السياسية، ولن تساهم في خروجنا من أزماتنا الاقتصادية التي تثقل كاهل الدولة مجتمعا واقتصادا. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان