خطة الإنقاذ بلا إنقاذ

 

طال انتظار ما ستخرج به الحكومة بعد سكون وتكتم طويلين، وأعلنت عن خطة إنقاذ للاقتصاد الوطني أو تحفيزه، وفق ما يطلق عليها البعض، لا فرق بين المسميات، فالحكم على الأشياء يعتمد على نتائجها، والأمور بخواتيمها.

اضافة اعلان

تفاصيل الخطة التي أُعلن عنها خيبت آمال جميع القطاعات الاقتصادية التي تتعسر أحوالها يوما بعد يوم، فها هي الأرقام بدأت تكشف آثار الأزمة.

أول المؤشرات التي تؤكد تأثر الاقتصاد بالأزمة تراجع التسهيلات خلال الشهر الأخير من العام الماضي بمقدار 200 مليون دينار وهو رقم وإن بدا قليلا، مقارنة بالحجم الإجمالي للقروض، إلا أنه بالتأكيد كان سيسهم في دعم آلاف المشاريع لا سيما الصغيرة ومتوسطة الحجم.

كذلك يشي تراجع حجم الودائع خلال هذه الفترة أيضا بمقدار 23 مليون دينار، بقيام بعض أصحاب الأموال بسحبها من البنوك المحلية، وتحويلها إلى دول أخرى أو توجيهها إلى استثمار أكثر أمنا من البنوك، حيث بدأ بعض الأفراد بالتوجه لشراء الذهب كملاذ آمن للاستثمار.

وعودا إلى الموضوع الأساس في المقال والمتعلق بخطة إنقاذ الاقتصاد من تبعات الأزمة المالية العالمية، يبدو أن من خطّها لم يكن جادا في الخروج بشيء خلاق ومقنع وفعال باتجاه تحقيق شيء يقي من ضربات الأزمة عن الأردن.

فبعد انتظار دام أشهرا وارتفاع سقف التوقعات خلال مدة إعداد الخطة، تلاشت الآمال في إمكانية إحداث جدار واق يحمي الأردن من رياح الأزمة العاتية، فحال الخطة ينطبق عليه القول "تمخض الجبل فولد فارا"، فما كان مطلوب من الحكومة يتجاوز الحديث الشفهي الذي لم يضف شيئا، ولن يؤثر في الواقع السلبي.

فتحويل 183 مليون دينار من النفقات الجارية، أمر ذو معنيين، الأول أن الحكومة كانت قادرة على تخفيض الجاري منذ البدء لكنها لم تتخذ أي جهد لذلك، بل على العكس تماما فقد ادعت أن من غير الممكن تقليص النفقات الجارية حينما طالب النواب بذلك، ما يعكس عدم إيمان الحكومة بشعار لطالما رفعته حول سياسة شد البطون وتقليص النفقات الجارية التي لا تسهم في تحقيق التنمية وتثقل كاهل الموازنة العامة وتفاقم العجز.

أغرب ما في الخطة أنها طالبت بزيادة النفقات الرأسمالية وتخصيص ذلك لمشاريع بعينها تحددها الوزارات المعنية، لكن التساؤل المهم ما هي المشاريع التي ستنقذ الاقتصاد ولم يفكر بها المسؤولون عند إعداد الموازنة.

المشاريع ستحدد وتجرى لها دراسات الجدوى وستنفذ وتستكمل قبل نهاية العام.. كل ذلك جميل.

 لكن ما مدى واقعية هذا الكلام في ظل معلومات تؤكد انخفاض النفقات الرأسمالية وضعف الإنفاق عليها رغم توفر التمويل، إذ يتم تدوير أجزاء كبيرة من هذه المخصصات لسنوات أخرى.

يبدو أن من وضع الخطة وأقرها تناسى أننا في الأردن الذي يعاني من البيروقراطية المفرطة، ويكابد تأخر تنفيذ المشاريع التنموية لأكثر من سبب منها ما يرتبط بالمؤسسات المنفذة نفسها ومنها ما يتعلق بالجو العام، إذ إن حجم الإنفاق الرأسمالي لم يتجاوز في نهاية 2008 ما نسبته 68% من إجمالي النفقات الرأسمالية المخصصة والتي تجاوزت قيمتها بليون دينار العام الماضي.

المسلك الحكومي وكما جرت العادة اتسم بـ "الاندفاع"، إذ تعددت خطط الإنقاذ في الآونة الأخيرة بعد أن اقتنعت السلطة التنفيذية أخيرا أن الأردن لن يكون بمنأى عن تأثيرات الأزمة العالمية.

لكن الخطط لم تأت بما يشتهي الاقتصاد، فالخطة لم تتضمن قرارات لإنقاذ المدخرات واستقرار النظام المالي، بالإضافة إلى أنها لم تقدم أفكارا للمحافظة على فرص وخلق المزيد منها، ولم ترسم "خريطة طريق" تصل بالاقتصاد لبرّ الأمان.

أخيرا.. الخطة الحكومية بحاجة لخطة، وإن أردنا أن نكون أكثر تفاؤلا يمكن أن نقول إن خطة الإنقاذ الحكومية بحاجة لإنقاذ!!.