خطة الاحتلال لقطاع غزة: أمن طويل الأمد مقابل الغذاء والدواء

آلية تعمل على إزالة أنقاض مبنى دمره الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة ومتطوعون يبحثون عن ناجين.-(أرشيفية)
آلية تعمل على إزالة أنقاض مبنى دمره الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة ومتطوعون يبحثون عن ناجين.-(أرشيفية)
نادية سعد الدين عمان- استعارت الحكومة الإسرائيلية فحوى خطة "السلام الاقتصادي" المتعثرة من عهد وريثتها السابقة لرسم ملامح رؤيتها تجاه قطاع غزة، عبر مقايضة الماء والغذاء والدواء بالأمن، دون توفر ضمانات جدية لمنع تكرار هجماتها على القطاع، باستئناء الالتزام الفلسطيني الأحادي الجانب بالتهدئة. الخطة الشاملة التي طرحها وزير الخارجية الإسرائيلي، "يائير لبيد"، للتعامل مع قطاع غزة، تستند إلى "تحسين الوضع الإنساني تدريجياً"، مثل تحلية المياه للشرب وتوفير الكهرباء وتطوير البنية التحتية، وصولاً إلى "تحسين الوضع الاقتصادي"، مقابل استتباب الأمن الذي توفره الفصائل الفلسطينية، في خطوة تقود إلى نزع سلاحها، وهو الأمر الذي ترفضه مطلقاً. وتُغلف الخطة الإسرائيلية مراميها بالسعي لتحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين في غزة، وتحقيق "مكاسب في البنية التحتية والتوظيف"، للتغطية على هدفها الرئيس المتمثل في "منع "حماس" من تسليح نفسها"، و"ممارسة الضغوط الداخلية والدولية عليها"، وفق قول "لبيد" أمس. وعملياً؛ فإن الخطة لا تعكس استراتيجية إسرائيلية تجاه القطاع، خلا استمرار شن العدوان عليه أو محاولة استخدام وسطاء إقليميين ودوليين للتهدئة، وذلك عندما تشترط بالتزام "حماس" بتهدئة طويلة الأمد ووقف ما تزعمه "هجماتها ضد الاحتلال الإسرائيلي"، مقابل تحسين الوضع المعيشي لسكان غزة، وذلك بالتعاون مع اطراف إقليمية ودولية. وتقوم "صفقة" الاحتلال، بحسب الخطة، على مبدأ الهدوء والأمن مقابل الاقتصاد، وهو نفس مفهوم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، حيال "السلام الاقتصادي"، بما يعني أن كل ما قد يتلو ذلك، من إعادة الإعمار ووصول المنحة القطرية لآلاف العائلات الفقيرة والموظفين ومحاصرة القطاع، سيقى مرهوناً بمدى التزام حركة "حماس"، والفصائل الفلسطينية، بالتهدئة. وتقدم خطة الاحتلال صورة واعدة لما سيكون عليه حال القطاع عند تنفيذ مضامينها؛ إذ إن أهالي غزة سينعمون ببنية تحتية متطورة، عبر إصلاح نظام الكهرباء وربط الغاز وتحلية المياه وتحسين نظام الرعاية الصحية وإعادة تأهيل قطاعي النقل والإسكان، وذلك للانتقال إلى المرحلة اللاحقة ببناء جزيرة اصطناعية قبالة سواحل غزة تسمح بإنشاء ميناء، وبناء شبكة مواصلات بين القطاع والضفة الغربية. ويسمح ذلك للانتقال إلى مرحلة أكثر نضوجاً اقتصادياً عند تعزيز الاستثمار الدولي داخل قطاع غزة والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع مصر والسلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. وبذلك؛ تنقسم خطة "لبيد"، التي ترسم ملامح السياسة الإسرائيلية الرسمية تجاه قطاع غزة، إلى مرحلتين: الأولى تمتد على المديَين القصير والمتوسط، وتتمثل في إعادة إعمار القطاع وتأهيل البنية التحتية من كهرباء وغاز ومياه وخدمات صحية وشبكة طرق، ومكافحة تعاظم القوة العسكرية لحركة "حماس"؛ فيما المرحلة الثانية، بعيدة المدى، تتضمن إنشاء شواطئ وجزر اصطناعية، ومناطق صناعية، ومشاريع اقتصادية، وإقامة ميناء لغزة. ويقف هدف إسرائيلي بعيد المدى لما صورته الخطة بحالة "الرخاء" الواعدة التي سيعيش فيها سكان غزة والتي قد تدفعهم للوقوف المضاد أمام "حماس" سبيلاً لاستتباب الأمن بالقطاع، بعدما يعتادون على ما حُرموا منه سابقاً، وبعدما يُدركون أن "عنف الحركة ضد الاحتلال سبب عيشهم في ظروف الفقر والبطالة وانعدام الأمل"، طبقاً لمزاعم الخطة، بهدف إضعاف قوة "حماس" العسكرية، بدون تقديم توضيحات بهذا الشأن. وتستهدف خطة "لبيد" وضع قيود على نشاط المقاومة الفلسطينية وسلاحها مقابل تحسين شروط حياة السكان في القطاع، وهو ما يجعل الفصائل إلى الآن ترفض التعامل مع تلك المقترحات، في انتظار ما ستُبينه جولة المباحثات المقبلة، مع الوفد المصري المتوقع زيارته للقطاع الأسبوع القادم، والتي تتزامن مع انتهاء المهلة الممنوحة من قِبَل المقاومة لإنفاذ التسهيلات الاقتصادية لغزة. وتتجاهل الخطة تبعات الحصار الإسرائيلي الطويل، الممتد منذ العام 2007، باعتباره مسبباً رئيساً لبؤس القطاع وشظفه، فضلاً عن حروب الاحتلال المتوالية ضد غزة، وكان آخرها في أيار (مايو) الماضي، والتي أدت إلى "دمار واسع النطاق للبنية التحتية المدنية"، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. غير أن رد "حماس" والفصائل الفلسطينية على عدوان الاحتلال ضد قطاع غزة سيؤدي إلى "وقف العملية أو إعاقتها"، وفق لبيد، ففي ظل عدم وجود ضمانات لمنع وقوع الانتهاكات الإسرائيلية ضد القطاع، فإن ألأخير سيقع تحت طائلة ضربات الاحتلال المتوقعة مع التزام الصمت من أجل تمرير الخطة حتى النهاية، وذلك في وصفة جاهزة للاستكانة الفلسطينية المرفوضة مقابل "تسهيلات" اقتصادية متواضعة. وتدعي الخطة سعيها لتعزيز السلطة الفلسطينية، لكن لبيد" صرح في وقت سابق أنه لا يعتزم إجراء اتصالات معها أو لقاء الرئيس محمود عباس، لأن حدوث أي خطوة في هذا الاتجاه قد يسقط الحكومة الإسرائيلية الهشة. وقد شكل ملف إعمار قطاع غزة والخطة الإسرائيلية أبرز قضايا البحث بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، "نفتالي بينيت"، مؤخراً في مصر. ومن المقرر أن يزور وفد أمني مصري قطاع غزة، الأسبوع المقبل، بهدف بحث الخطة الإسرائيلية لتحقيق هدنة طويلة الأمد في القطاع.اضافة اعلان