خطة تحديث القطاع العام: ملامسة جوهرية والعبرة بالتنفيذ

زيد نوايسة أعلنت الحكومة خطة تحديث القطاع العام بعد سبعة أشهر على قرار تشكيلها بتاريخ 23/12/2021؛ اللجنة المشكلة برئاسة رئيس الوزراء ووزراء وخبراء في الإدارة ومن القطاع الخاص، أجرت مراجعة لواقع الإدارة العامة بمنهجية علمية وبعيداً عن القوالب التي كانت تختزل الخلل فقط بوجود عدد كبير من الوزارات والهيئات. محاور الخطة الرئيسية؛ بدأت بتوصيف إطار عمل اللجنة وشرحت مبررات ودواعي تحديث القطاع العام ورسمت خريطة طريق بمهل زمنية محددة للتحديث من خلال عرض مبادرات البرنامج التنفيذي الممتد من عام 2022 وحتى 2025، وتحركت تحت عنوان أساسي: تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع كفاءة الإدارة العامة؛ وهو ما أكد عليه جلالة الملك اثناء استقبال اللجنة وتسلم مخرجاتها الاحد الماضي. على خلاف ما كان متوقعاً وما تم تسريبه؛ بأن جوهر خطة التحديث سيرتكز فقط على فكرة دمج العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات المستقلة وإلغاء بعضها وربما إعادة هيكلة جسم الإدارة العامة المتضخم بتقليل حجمه؛ جاءت الخطة بشكل مختلف وبعيداً عن فكرة التسكين والمعالجات المؤقتة وتبنت خريطة طريق على ثلاث مراحل وتمتد لعشر سنوات وضمن محاور تشريعية ومؤسسية ومحور الخدمات مع التأكيد بأن الحكومة لن تنهي خدمات أي موظف بل ستعمل على تأهيل وتطوير قدرات الموظفين وتحفيزهم وهذه رسالة طمأنة إيجابية لكن شريطة أن تفهم في معناها الحقيقي. من الطبيعي أن يثار حول المخرجات كلام كثير ما بين التأييد والنقد وهذا يمكن تفهمه لكن هذا لا ينفي أننا وربما لأول مرة امام ملامسة ومقاربة مختلفة في التعامل مع هذا التحدي الذي أشار لها الملك في أكثر من لقاء مؤخرا باعتبار أن نجاح مسارات التحديث السياسي والاقتصادي مرتبط بنجاح الإصلاح الإداري وبالتالي لا بد من الحفر عميقاً في اختلال الإدارة العامة في الأردن والخروج برؤية استراتيجية ومؤسسية عابرة للحكومات وأعتقد أن هذا واضح بشكل كبير في مخرجات اللجنة التي تحتاج قراءة متأنية وهادئة بعيداً عن الاحكام المسبقة. اللجنة الحكومية أرادت أن تقدم شيئا جديدا ومختلف عن كل ما طرح سابقا وتعاملت مع فكرة تحديث القطاع العام بمعزل عن التوصيف التقليدي الذي يربط تراجع الإدارة العامة بالأردن فقط بفكرة وجود ثلاثين حقيبة وزارية وعشرات الهيئات والمؤسسات المستقلة ونظرة اللجنة في جزء كبير منها واقعية لأن اختزال المشكلة بوجود عدد كبير من الوزارات فيه مبالغة فالخلل في الأصل مرتبط بمستوى جودة الخدمات وتراجع فعالية وكفاءة الإدارة العامة ومواكبتها للتحول الرقمي. سابقاً، كنا نفاجأ بإلغاء وزارة ما واستحداث أخرى دون وجود إطار تشريعي ويبقى الامر مرتبط باجتهاد الرئيس وفريقه الحكومي ولعل في تجربة وزارة تطوير القطاع العام ووزارة الدولة لتطوير الأداء المؤسسي التي كانت تحضر وتغيب ولاحقا وزارة الاستثمار التي أسست ومن ثم تم التأطير لها تشريعياً بينما نجد الخطة هذه المرة أعلنت عن إلغاء ودمج بعض الوزارات وأعطت مهلة زمنية مريحة ليتم اعداد التشريعات اللازمة سواء بتحديد الخلف القانوني للوزارة الملغاة أو بناء إطار تشريعي وهيكل إداري يكون جاهزا قبل الإلغاء او الدمج. ما جرى مهم وإن كانت هناك أسئلة بحاجة لإجابة حول عدم توحيد بعض الهيئات في هيئة واحدة خاصة الهيئات المتعلقة بالطاقة والكهرباء والمعادن والتي تحد من دور وزارة الطاقة، وايضاً عدم دمج وزارة المياه مع الزراعة تحت مسمى وزارة الزراعة والمياه والري أو إلحاق سلطة وادي الأردن بوزارة الزراعة لتصبح وزارة الزراعة والري؛ وإلحاق ديوان التشريع والرأي بوزارة الدولة للشؤون القانونية أو إلغاء الوزارة نفسها والاكتفاء بوجود الديوان؛ من المؤكد أن مثل هكذا سيناريوهات تمت مناقشتها ولدى اللجنة والحكومة أجوبة عليها. المخرجات مقاربة جديدة لملامسة واقع الإدارة العامة في الأردن والمؤكد أن الحكومة الحالية ستعمل على تنفيذ المخرجات خلال فترة وجودها لكن العبرة في استمرار العمل المؤسسي العابر للحكومات بحيث تكتمل عملية التحديث كما هو مخطط ومحدد زمنياً. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان