خطر إيران هو الأكبر

كمن يريد أن يغطي خطراً بآخر، أو أن يؤجل خطراً لحين مواجهة خطر آخر، يفاجئك محدثك بسؤاله غير المنطقي: هل معركتنا هي مع إيران أم مع إسرائيل؟ وهل عدونا هو إيران أم إسرائيل؟ وكأن المفاضلة هي بين خطر أكبر وخطر أصغر، والخيار لنا أن نقدم خطراً على آخر، أو نؤجل خطراً بانتظار آخر! ويختلط الأمر أيضاً بين من يقدم السؤال بقصد أن يعترف بالخطرين ويصنفهما بين أكبر وأصغر، وبين من يريد أن يلغي صفة الخطر عن المشروع الإيراني الذي تتبناه القيادة الإيرانية الحالية؛ وهو المشروع الغارق في تصدير التشيع ونموذج الدولة الدينية، بتدخل مباشر في شؤون الدول المسلمة الأخرى، والعربية منها بالذات.اضافة اعلان
وقبل الخوض في النظر في الخطرين، أود التعبير عن رأيي بوضوح بشأن نقطتين: الأولى، هي أنني احترم بالكامل المذهب الشيعي، وأضعه -وأنا سني بالوراثة- في ذات السوية مع المذهب السني، اعترافاً وتقديراً واحتراماً. والثانية، هي أن الخلاف بين المذهبين نشأ سياسياً حول الإمارة (الخلافة) ومن هو أحق بها، ثم ألبسه المتطرفون من المذهبين لباساً شرعياً دينياً لإسباغ كل طرف الشرعية الدينية على موقفه السياسي.
وفي باب تشخيص الخطرين، فإن تصدير الثورة المتشيعة لحكام إيران الحاليين إلى الدول العربية، والتدخل في شؤونها، يمثل خطراً طاغياً، هو في نظري أشد من خطر إسرائيل. فالخطر الإسرائيلي واضح كل الوضوح، وتناقضنا مع المشروع الإسرائيلي لا لبس فيه، وليس بيننا من يختلف عليه. أما مشروع التشيع الذي صدرته إيران إلى العراق وسورية ولبنان، والذي تحاول اليوم تصديره إلى اليمن والبحرين وباقي الخليج العربي، فهو الفتنة بعينها بين المسلمين من أبناء المذهبين السني والشيعي. وهي فتنة ملتبسة في طبيعتها الدينية العقيدية، وعمق تجذرها الممتد إلى أصل الفتنة الكبرى التي قسمت المسلمين ولم تخمد منذ 1400 سنة. وليس لهذه الفتنة أن تنتهي إذا نجحت إيران في إشعالها من جديد، وقد تظل قائمة إذا ما أوقدت، ما دام الإسلام قائماً.
ونذكّر أن المشروع الإيراني جوهره الدولة الدينية، وفي ذلك خطر آخر على الدول الإسلامية والعربية. فإذا كانت الأغلبية من شعوب الدول العربية تخشى من وصول تيارات إسلامية سنية معتدلة إلى الحكم، رغم أن هذه التيارات تقر بأن الإسلام في كافة عصوره لم يعرف الدولة الدينية، وأنها لا تسعى إلى إقامة دولة دينية، فما هو الموقف من تعميم نموذج الدولة الدينية الإيراني؟ وكيف إذا ما تحول العراق الذى يوشك أن يصير محافظة إيرانية، إلى دولة دينية على يدي الحكيم ومقتدى الصدر؟ إذ يكون قد اجتمع الخطران: خطر فتنة نشر التشييع، وخطر إقامة الدولة الدينية.
نحترم المذهب الشيعي مثل احترامنا للمذهب السني. وفي رأينا أنه يجب أن يُحظر على أتباع كل من المذهبين التبشير لمذهبهم بين أبناء المذهب الآخر، حتى لا تكون الفتنة. ونكرر أن إيران بتصدير تشيعها، وانتصارها لأبناء الطائفة الشيعية من المواطنين في أي دولة إسلامية، وعربية بالخصوص، إنما تثير فتنة كبرى، تشكل خطراً أعظم من الخطر الإسرائيلي في أسبابه الملتبسة ونتائجه الوخيمة؛ فالأسباب خلافات عقائدية ملتبسة بين المسلمين، والنتائج اقتتال بينهم لن تكون له نهاية.
نحب الشعب الإيراني الجار والشقيق المسلم، ونقدر المذهب الشيعي، ونحترم إخواننا المسلمين الشيعة أينما كانوا؛ كما نحترم اختيارات الدولة الإيرانية الداخلية، ونعترف بحقها في أن يكون لها مشروعها الذي تريد، طالما أنه لا يهدد أمن وسلامة ومصالح الدول العربية، ولا يؤدي إلى إثارة وتأجيج الخلافات من أي نوع بين الأشقاء من المذهبين؛ السني والشيعي.

[email protected]