خطر "داعش": توظيف لا مواجهة!

نظرياً، ومنطقياً، يمثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تهديداً للعالم أجمع. لكن، وخلافاً للتوقع (النظري والمنطقي أيضاً) بتوحد فرقاء الأمس، الإقليميين والدوليين، في مواجهة التنظيم، تبدو أغلب دول المنطقة والتحالف الغربي المعنية أكثر من غيرها بتهديد "داعش"، أقرب إلى تبني سياسة "توظيف" خطر التنظيم لابتزاز كل منها الأخرى؛ لتحقيق كل واحدة من هذه الدول مصالحها الخاصة، أو على الأقل تخفيض الكلف المطلوب منها تقديمها في المواجهة، وتحميل هذه الكلف لأطراف أخرى يتم العمل على "إقناعها" بأنها الأقرب للخطر مقارنة بالبقية.اضافة اعلان
في هذا السياق، تأتي تصريحات وتلميحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، في جامعة هارفارد قبل أيام، بتحميله مسؤولية صعود "داعش" لدول حليفة للولايات المتحدة، هي تركيا والسعودية والإمارات العربية خصوصاً. ففي المحاضرة ذاتها، كان بايدن ينتقد قيام وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا بإصدار مذكراته قبل انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما. لكن الحقيقة الأهم حالياً هي تحميل بانيتا، كما فعل آخرون قبله، بايدن شخصياً مسؤولية صعود "داعش" بسبب رضوخه الكامل لسياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي المتمثلة أساساً في إقصاء المكون السُنّي نهائياً، والتي عززها قبول بايدن أيضا انسحاب الجيش الأميركي بشكل كامل من العراق.
وفي هذا السياق أيضاً، وبعد تشكيل تحالف دولي "لإضعاف "داعش" ثم القضاء عليه نهائياً" بحسب أوباما، مع التأكيد على عدم إرسال جنود أميركيين على الأرض، تضغط الولايات المتحدة على تركيا، دبلوماسياً وعبر تدفق اللاجئين السوريين، للتدخل برياً لحماية الأكراد في مدينة "عين العرب" السورية تحديداً، إنما من دون ضمانات أميركية بشأن اليوم التالي! فعدا عن رفض الإدارة الأميركية وضع خطة شاملة تنهي نظام بشار الأسد، بحسب الطلب التركي، كونه المسؤول الأول عن انتشار "داعش" وأشباهه؛ فإن أوباما، كما بات يقر كثير من أقرب مساعديه وأعضاء إدارته، قد يتخذ قرارات استراتيجية بشكل شبه فردي، تناقض تماماً الاتجاه الذي كان يعلن تبنيه قبل ذلك بأيام فقط. وهو ما قد يعني، بشكل محتمل جداً، توريط تركيا، ثم تركها في حرب مفتوحة في سورية من دون أي سند.
مثل هذا السيناريو يجد مصداقية من أن احتمالية تدخل تركي بري في سورية، حتى من دون إنشاء منطقة عازلة أو تبني خيار إسقاط الأسد، يواجه منذ الآن اعتراضاً يبلغ حد التهديد الصريح من قبل إيران، التي يفترض أنها لا تقل عن سواها تعرضاً لخطر "داعش"؛ إن لم يكن على أراضيها مباشرة (حتى الآن)، فبتهديد رجالاتها الحاكمين في العراق وسورية، وبالتالي تهديد النفوذ الإيراني في المنطقة ككل. ولعل الهامش المتاح لإيران حتى اللحظة، هو ما يشجعها الآن على توظيف خطر "داعش" ورقة للمقايضة في مفاوضات البرنامج النووي، وأيضاً لتعويم بشار الأسد وضمان إبقائه في الحكم. وهذا الهدف الأخير هو ما تلتقي موسكو عليه مع طهران؛ رغم حقيقة أن جزءاً من مقاتلي "داعش" الأكثر خبرة وكفاءة يأتون من الأراضي الروسية، والتي تشكل المصدر الأوروبي الأول من حيث عدد رجالات التنظيم.
لكن سياسة "التوظيف" في ظل المعطيات الحالية، ترتقي فعلياً إلى مستوى "الدعم"، والدليل واضح: تواصل إنجازات "داعش" وتنامي قوته، بشكل طردي مع تزايد عدد "أعدائه" المعلنين!