خطر يهدد الاستقرار

هل بلغ بنا الضعف إلى هذا الحد؟ أعني العجز عن تسوية القضايا المطلبية الطارئة والمزمنة.
ظاهرة الاحتجاجات المطلبية التي هدأت لبعض الوقت، عادت بقوة إلى الشارع. واللافت أن معظمها هي لملفات وقضايا كانت مفتوحة منذ أشهر، وخضعت لحوارات مع الجهات المسؤولة، وتم التوافق على حلها وتلبية مطالب أصحابها. لكن نكتشف مع مرور الوقت أنها ما تزال عالقة، وأن السلطات الحكومية لم تف بوعودها للمحتجين.اضافة اعلان
شباب الطفيلة الذين وعدوا بوظائف في زمن الحكومة السابقة لم يحصلوا عليها، وها هم يعودون للاعتصام أمام رئاسة الوزراء، ويهددون بالإضراب عن الطعام. الفنانون الذين يمثلون ضمير الشعب ويحملون وجدانه، دفعت بهم المماطلة والتسويف إلى نصب خيمة اعتصام احتجاجا على الخراب الذي أصاب مسيرة الدراما الأردنية، وتحول نجومها إلى فقراء لا يجدون أدنى مقومات الحياة.
المهندسون الزراعيون نزلوا إلى الشارع بعد أن ملوا الوعود، ومن قبلهم الأطباء البيطريون.
عمال مصانع في الجنوب يغلقون الطرقات، وأصحاب المظلمات الفردية لم يجدوا وسيلة لإسماع صوتهم سوى التهديد بالانتحار، وأحيانا لا يستجاب لهم فيكون مصيرهم الانتحار فعلا، كما حصل مع موظف شركة الكهرباء مصعب خليفة.
لن أذكر المزيد من الأمثلة؛ فالناس يشهدون الاعتصامات المطلبية في شتى مواقع العمل، وفي مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، ويطالعون أخبارها في وسائل الإعلام.
مصادر تهديد الاستقرار الداخلي في أي بلد متنوعة، وتتفاوت في درجة خطورتها تبعا لطبيعتها، لكنها تبلغ أقصى مراحل الخطر عندما تصبح متزامنة، وتطال مختلف المسارات.
في الأردن، نواجه أزمة اقتصادية صعبة تحتاج إلى تفرغ كامل من قبل الإدارة الحكومية للتغلب عليها. ونواجه حالة استعصاء على مسار الإصلاح السياسي لا نعرف سبيلا للخروج منها. وفوق هذا وذاك ما أشرنا إليه من عجز السلطات عن احتواء الحراك المطلبي، وضعف الاستجابة للأزمات والتعامل معها قبل تفاقمها.
قد لا تتوفر حلول سحرية للأزمة الاقتصادية، وقد يتعذر الوصول إلى تفاهمات حول استحقاقات الإصلاح السياسي، وفي المحصلة ستظل ملفات من هذا النوع مفتوحة للسجال العام. لكن القضايا المطلبية مهما تعقدت تبقى قابلة للحل، ويمكن للسلطات أن تسجل إنجازات ملموسة فيها، وفي أحيان كثيرة لا يرتب ذلك نفقات إضافية.
القضايا المتعلقة بالمطالب المعيشية والخدمية هي العامل الحاسم في تحديد طبيعة العلاقة بين الحكومات والناس. وعندما تعجز السلطة عن الوفاء بالتزاماتها، تفقد مكانتها في عيون مواطنيها. ومع مرور الوقت وتراكم المشاكل والمظالم دون حلول منصفة، تسقط هيبة الحكومات، وتتنامى نزعة التمرد لديهم. ويمكننا اليوم أن نرصد مظاهر التمرد بسهولة في شعارات وهتافات الاعتصامات المطلبية، وفي النقاشات مع عامة الناس.
حالة عدم الاكتراث التي تبديها السلطات الحكومية، وعلى كل المستويات، تجاه هذا النوع من الحراك، تثير الدهشة حقا؛ فهي لا ترى فيه خطرا ما دام خارج نطاق السياسة.
قراءة كهذه سطحية دون شك؛ فالاعتصامات الفئوية وإن بدت موزعة في أرجاء البلاد وغير مترابطة، إلا أن هناك خيطا سريا يربطها، سرعان ما يتحول إلى صاعق متفجر.