خطط كثيرة، وتحدي التنفيذ

سلامة الدرعاوي أجاب الوزير السابق مازن الساكت بكلّ حرفيّة ومهنيّة على انتقاداتي المستمرّة لخطّة إعادة الهيكلة لسنة 2011، والّتي دائماً ما أصفها في مقالاتي بأنّها شكل من أشكال الفساد الإداريّ والهدر الماليّ الّذي تسبّب بـتكبيد خزينة الدولة ما يزيد على نصف مليار دينار أعباء ماليّة جديدة لم تكن بالحسبان، علماً أنّ كلفة الخطّة التقديريّة بالموازنة كانت 82 مليون دينار فقط لا غير. الوزير الساكت قدّم مداخلة رائعة في جلسة المجلس الاقتصاديّ الّتي نظّمها الأسبوع الماضي بحضور نخبة من أصحاب الخبرات حول موضوع خطّة التحديث الإداريّ الّتي أعدّت مؤخّراً. الوزير الساكت كشف النقاب أنّ الخطط الّتي وضعت لإصلاح القطاع العامّ كانت دقيقة للغاية ومبنيّة على أسس ومعايير علميّة وعمليّة ولها أهداف متّزنة قابلة للتحقيق والإنجاز. لكنّ المشكلة كانت بالتنفيذ، وهذا هو محور سؤالي الموجّه للوزير الشريدة حول الجهات المسؤولة عن تنفيذ هذه الخطط، فالساكت يرى أنّ الحكومات والوزراء اللاحقين هم من تسبّبوا في انحراف خطّة إعادة هيكلة القطاع العامّ عن مسارها الحقيقيّ وتجاوزها لأهدافها، بسبب السياسات الشعبويّة الّتي سلّمت من قبل البعض، والّتي أدّت لتحميل الخطّة أعباء ماليّة جديدة لم يكن لها أيّ مخصّص لها مثل علاوات المعلّمين وموظّفي المياه وغيرها من العلاوات الّتي استجابت لها الحكومات المختلفة تحت ضغط الشارع خاصّة في فترة ما عرف بالربيع العربيّ. وزير التخطيط الشريدة أجاب بوضوح عن سؤالي حول من سينفّذ الخطّة الحكوميّة للتحديث الإداريّ قائلاً بأنّه ستكون لجنة مركزيّة تضع خططاً تنفيذيّة لكلّ قطاع وتراقب الأداء وتكون في عمل تقييميّ مستمرّ لها، وهذا أيضاً إجراء في غاية الأهمّيّة لتكون عمليّة التنفيذ تحت الرقابة المؤسّسيّة، والّتي تعطي إنذارات مبكّرة قبل حدوث أيّ تداعيات سلبيّة أثناء عمليّات التنفيذ. نعم نحن في الأردنّ لدينا خطط تنمويّة مختلفة ومتعدّدة، وجميعها أعدّها خبراء وبيوت خبرة مختصّون بذلك، ومع ذلك، فالإنجاز يكون قليلاً أو معدوماً في بعض الأحيان، فالعبرة بالتنفيذ وليس فقط بالتخطيط. مسألة التجاوز ليست محصورة على الخطط التنفيذيّة، بل حتّى قانون الموازنة العامّة الّذي يعتبر خطّة الدولة الماليّة لعام واحد فقط يقرّ حسب الأصول الدستوريّة أيضاً ويشهد تجاوزات ومخالفات بعضها خطيرة لها تداعيات على الأجيال المقبلة، ومع ذلك لا يحاسب أيّ شخص تسبّب في تلك التجاوزات، ممّا يؤكّد أنّ المال العامّ فعلاً "مال سايب" وإلّا فقانون الموازنة مثله مثل أيّ قانون من يخطئ يعاقب. الأردنّ اليوم أمام مرحلة جديدة من الخطط في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والإداريّة، والكلّ مجمع أنّ هذه القطاعات بأمسّ الحاجة لعمليّات جراحيّة تحفيزيّة عميقة حتّى تكون قادرة على تحقيق أهداف النموّ والإصلاح المطلوب، لكن يبقى التحدّي في التنفيذ السليم والرشيد. كما قلنا سابقاً، لا ينقصنا الخطط بقدر ما نحن بحاجة إلى إرادة قويّة في التنفيذ والخروج من بوتقة الشعبويّات الّتي تخضع لها الحكومات بين الحين والآخر، فالمطلوب تنفيذ مؤسّسيّ عابر للحكومات وإدارات خاضعة للمحاسبة والمكافأة لكلّ من يخطئ وينجز، ودون ذلك سيبقى الجميع يدور في ذلك النفق المظلم. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان