خطط كوشنير الإسرائيلية الجديدة

نشرت نيويورك تايمز تقريراً شارك في التوصل إليه ثمانية صحافيين عملوا في عواصم عربية وغربية، لتوضيح ما الذي سمعته القيادة الفلسطينية مؤخراً من أفكار بشأن خطة سلام مقبلة. ووصفت الصحيفة ما تقول إنّ ما سمعه الرئيس الفلسطيني هو بمستوى العرض الأولي الذي قد يقدمه المفاوض الإسرائيلي، أي تريد الصحيفة القول إنّ ما سمعه الفلسطينيون يتماشى مع ما يريده الإسرائيليون. والواقع أنّ دقة ما جاء في الصحيفة ليس أكيداً، خاصة أنّه يعتمد في مصادره على أشخاص زعموا أنّهم سمعوا من القيادة الفلسطينية ذلك، وبعضهم من "خصوم" الرئيس. لكن من المنطقي توقع أن تكون الأفكار المطروحة هي فعلاً ما يريد الأميركيون طرحه قريباً، إذا ما قرروا طرح شيء. اضافة اعلان
بحسب الصحيفة، فإنّ ما اقتُرح على الفلسطينيين وأزعجهم، هو القبول بعاصمة في أبو ديس (إحدى ضواحي القدس)، والقبول بعدم السيطرة على الحدود، وبعدم التواصل التام بين اراضي "الدولة"، وأن تكون السيادة "معنوية"، وبقاء الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية كما هي. ما لم تتوقف عنده الصحيفة ومن سألتهم ربما، أنّ هذه المقترحات هي وصف للوضع الحالي (باستثناءات بسيطة ورمزية). 
هناك قواعد في علم المفاوضات يمكن تذكرها في الموقف الحالي، أولها، أنّه لا يجوز لطرف ما أن يطرح عرضاً استناداً لتوقع أن يرفضه الطرف الآخر، بل يجب أن يقدم عرضاً إذا قبله الطرف الآخر فسيكون هذا نجاحا وإنجازا وإذا رفضه فلا خسارة. والقاعدة الثانية، أنّ العرض الأول يكون دائماً مبالغا في مدى ارتفاع المطالبات فيه، وانخفاض ما يجري عرضه.
إذا قبل الفلسطينيون العرض السالف (وهو أمر مستبعد جداً)، فسيكون مكسبا لمن عرضه. (الأميركيون والإسرائيليون).
هذا العرض هو على الأغلب، العرض الأولي الذي يراد منه صدمة الفلسطينيين وخفض توقعاتهم إلى أقل مستوى ممكن.
عندما طلب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من الإسرائيليين تجميد بناء المستوطنات فإنّه رفع سقف توقعات الفلسطينيين، الذين اشترطوا لاحقاً وقف الاستيطان وإطلاق أسرى اتفق على إطلاقهم، للعودة للتفاوض، ثم جرى تبني ما سمي "تدويل الصراع". والآن يجري العكس؛ "سحق" التوقعات الفلسطينية قدر الإمكان. وإذا ما نقل قادة عرب هذه العروض، فعلا، سواء باعتبارها مقبولة، وينصحون بقبولها، أو باعتبارها ما سمعوه وينقلونه للفلسطينيين ليقرروا، فهذا يساهم في خفض سقف التوقعات الفلسطينية فعلاً. وعملياً تنسب مثل هذه الأفكار إلى صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الصهيوني المكلف بالملف الفلسطيني جاريد كوشنير. 
ما هو أخطر من محتوى هذه الأفكار، ومن تداولها في مستويات عربية رسمية، كما تشير الصحيفة، (وهو أمر ربما تعوزه الدقة ولا دليل فعليا عليه)، أن يكون مقصوداً أن يصبح التعامل مع هذه الأفكار، ورفضها والمساومة حولها، هي عناصر المشهد واللعبة في الأشهر المقبلة.
بحسب الصحيفة، نفى المستوى الرسمي الأميركي وجود خطة تحمل هذه الأفكار، وأنّ طرح خطة سلام يحتاج عدة أشهر.
لم يحدث منذ ما بعد انتفاضة الأقصى، ومفاوضات كامب ديفيد وطابا، (2000 و 2001)، أي مفاوضات جدية. وكل ما يجري عبارة عن مبادرات، تتناقص قيمتها ومحتواها مع الوقت. حتى يمكن أن يقال إنّ كل ما طرح في الخمسة عشر عاما الأخيرة، هي خطط إلهاء، بدءا من خطة خريطة الطريق، إلى لقاءات أنابوليس وما تلاها من شبه بداية مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية، وصولا لجولات جون كيري ثم ما سمي مبادرة فرنسية، والآن فإن طرح مثل هذه الأفكار (أفكار كوشنير) بالتوازي مع عقوبات استباقية مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة الأميركية، ومن تهديدات بإجراءات مثل نقل السفارة الأميركية للقدس، هو نوع من آخر من خطط الإلهاء، وفي الوقت ذاته نوع من عملية خفض سقف التوقعات الفلسطينية، وهي بالتالي تمهيد لمفاوضات عبثية جديدة، هدفها الحفاظ على الوضع القائم مع تحقيق تقدم إسرائيلي متدرج في ضم الضفة الغربية.
جميع خطط الإلهاء ناجحة لأنّ الجانب الفلسطيني لا يتبنى خطة تعتمد على العامل الذاتي الفلسطيني الموحد، والشعبي والرسمي معاً.