خطوة ترامب لن تجعل إردوغان كاسباً

يافوز بايدار* - (ذا أراب ويكلي) 22/12/2018 ترجمة: علاء الدين أبو زينة تكشف استقالة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن شيء كنتُ قد وصفته في مقال سابق بأنه "فوضى أميركية". وهي تشير إلى مرحلة جديدة من سوء الإدارة على أعلى المستويات في القوة العظمى الوحيدة في العالم. كنا نعرف أن نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "أنتَ مطرود"، سوف يسود في البيت الأبيض، لكن مغادرة جيمس ماتيس لا تتعلق فقط بسورية أو الشرق الأوسط، وإنما بالنظام العالمي ككل. ربما يكون قرار ترامب -الذي يبدو خاطئاً- سحب قوات بلده بالكامل من سورية هو الإشارة الأوضح على أن الحقبة الأميركية قد انتهت. وبالنظر إلى الفوضى الكبيرة السائدة في واشنطن، فإن المراقبين يلاحظون عنصراً من عدم إمكانية التراجع في الأحداث. من المؤكد أن الانسحاب الأميركي من سورية سوف يفضي إلى إعادة ترتيب للأوراق. ويرى البعض استمرارية في قرار ترامب وموقف باراك أوباما من سورية. وحتى مع ذلك، فإن التواجد الأميركي في سورية ساعد فعلياً في الحفاظ على توازن دقيق. يقول ديفيد إغناتيوس، محقاً، في صحيفة الواشنطن بوست: "لأن معظم الأميركيين لم يشاهدوا الصراع على شاشة التلفاز، فإنهم لم يقدّروا حقيقة أن (التواجد الأميركي) هناك كان ناجحاً: فقد دمّر "داعش"؛ وأضفى الاستقرار على شمال شرق سورية؛ وأوقف التوسع الإيراني؛ وضبط الهيمنة الروسية؛ ومنح الولايات المتحدة أوراقاً للمساومة على تسوية سياسية لاحقة في سورية، لكن أياً من هذا لم يكن مهماً في نهاية المطاف بالنسبة لترامب". من الذي سيكسب من قرار ترامب بالانسحاب؟ يتيح القرار فرصة لروسيا لتكسب المزيد من النفوذ السياسي. وتقدر موسكو أن ترامب اعترف على ما يبدو بالجهود الروسية لدعم نظام الأسد وتأكيد حضوره كطرف حاسم في أي حل، وبأن إنجازاتها تعزز موطئ قدم دائم لها في كل منطقة شرق البحر المتوسط. سوف يحتاج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الحفاظ على توازن دقيق بين طهران ودمشق، وأن يعمل كحامٍ لكل أنواع الأكراد المحليين. ويستطيع أن يفعل ذلك بمساعدة الأكراد على نيل شكل من أشكال الحكم الذاتي. سوف تكون بصمة الرئيس الروسي واضحة بالتأكيد على الدستور السوري الجديد، وسوف يحتاج إلى إبقاء كل هذا في ذهنه. ومن المؤكد أنه سيشجع الجماعات الكردية المسلحة، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال شرق سورية، على تسليم الأرض إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وقد أشر الأكراد على استعدادهم لذلك، في خطوة يأملون في أنها ستضغط على أنقرة. ماذا عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان؟ إذا كانت التقارير المختلفة الأخيرة صحيحة، فإن الذي أغضب ماتيس بما يكفي ليجعله يستقيل كان خطاب إردوغان ووزرائه عن الميليشيات الكردية. وقد هدد نظير ماتيس، الجنرال الرفيع السابق خلوصي عكار، بـ"دفن الأكراد". من المهم ملاحظة أنه في الأزمة التي تلف واشنطن، فإن وزارة الدفاع هي الأكثر شعوراً بالمعاناة والاضطهاد من أعمال ترامب وأفعال حليفة أميركا في الناتو، تركيا. لوقت طويل، فضل جناح مهيمن من كبار المسؤولين في واشنطن انتهاج سياسة استرضاء تجاه إردوغان. وقد فشلوا في إدراك أنه كان مقامراً ومخاطِراً. ولم يلتقطوا حقيقة أن إردوغان ليس مفاوضاً من النوع الذي يبحث عن الإجماع والتوافق. ولذلك، فإنه ينطوي على القليل من الفهم لأوجه العمل الأكثر عمقاً لحلف شمال الأطلسي. مع ذلك، كان إردوغان ناجحاً بمعنى أن حكومته أخضعت الأميركيين الأقوياء لإرادتها وإدارتها، وساعدت في إضعافهم في منطقة كان وجودهم فيها مهماً للغاية. الآن، ربما يعرف ماتيس والآخرون أن أنقره قد ضللتهم -إن لم يكن خدعتهم- وأن هذا لم يترك أي متسع تقريباً للولايات المتحدة في العملية السورية. ينبغي أن لا تكون هناك أي أوهام إزاء اعتبار إردوغان المنتصر النهائي. ويقول قراره تأجيل القيام بتوغل داخل سورية الكثير. وفي الحقيقة، يؤذن الانسحاب الأميركي بنهاية أحلام إردوغان بسورية من دون الأسد وبإدارة سنية طيّعة في السلطة. يشعر إردوغان بازدياد بأنه تحت الحصار من الدوائر القومية، والمناهضة لأميركا والمؤيدة لروسيا. ويدفعه هؤلاء بذكاء إلى إعادة استئناف المحادثات مع الرجل الذي لطالما ذمه -الأسد. وربما لا يكون هذا اليوم بعيداً في المستقبل. وإذا ما جاء، فإن إردوغان قد يشهد موقفه وقد ضعُف. ربما يكون ترامب قد ساعد في دق المسمار الأخير في نعش التوسعية العثمانية الجديدة، التي كان إردوغان ووزير خارجيته السابق، أحمد داود أوغلو، يروجان لها بقوة ذات مرة.   اضافة اعلان

*كاتب عمود تركي بارز، ومحلل للأخبار. وهو عضو مؤسس لمندى الصحافة المستقلة في إسطنبول. كان يغطي تركيا ويتابع قضايا الإعلام منذ العام 1980. وهو حائز على جائزة الصحافة الأوروبية للعام 2014، والفائز بجائزة الصحافة الألمانية للعام 2018. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump’s move does not make Erdogan a winner