خطوتان إلى الخلف.. خطوة للأمام

لقد أوفت الحكومة بوعدها بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل من البرلمان والذي كانت قد دفعت به حكومة الملقي بعد احتجاجات عارمة، وبخاصة من مجلس النقابات والقطاعات الاقتصادية المختلفة.

اضافة اعلان

حكومة الرزاز لديها الوقت الكافي لإعادة ترتيب أوراقها بخصوص القانون، واختيار الوقت المناسب لبدء حوار وطني حول مشروع قانون جديد. 

يمكن تقسيم المعارضين لمشروع القانون إلى فئتين: الأولى هي الفئة المتضررة مباشرة من القانون سواء كان ذلك من خلال تخفيض حد الإعفاء أو زياده نسبة الضريبة على الشرائح العليا من الدخل أو للإجراءات الصارمة في عملية التحديث الضريبي والعقوبات . أما الفئة الثانية، فهي فئة القطاع الأوسع من الشعب التي كانت معارضتها احتجاجا على السياسات التقشفية التي تلخصت برفع الدعم عن السلع وفرض ضريبة المبيعات على عدد كبير من السلع والخدمات. هذه الفئة قد لا تكون بالضرورة متضررة من مشروع قانون الضريبة بشكل مباشر، ولكنها تأثرت بشكل كبير من الإجراءات السابقة التي تم الإشارة اليها.

قبل الشروع بالحوار الوطني قد يكون من المفيد للحكومة أن تقوم بتحليل البنود التي تم الاعتراض عليها، وتحديد خلفية الجهات التي عارضت القانون، وذلك لتفكيك معادلة الاحتجاج، ومراعاة مصالح الفئات المعارضة للمشروع والذي قد يكون مفيدا في الحوارات لاحقا. وبالرغم من أنه قد يكون من المبكر الحديث عن الجوانب التي يمكن أخذها بالاعتبار بمراجعة القانون الجديد إلا أنه يجدر بالحكومة أن تبدأ التفكير مبكرا بذلك:

أولا: هناك ضرورة لمراجعة النظام الضريبي برمته وبشقيه الخاص بضريبة المبيعات وضريبة الدخل، إذ إن المعادلة في الأردن تعاني من اختلال، حيث تشكل إيرادات ضريبة المبيعات  69 % من مجمل إيرادات الضريبة، بينما تشكل ضريبة الدخل ما نسبته 52 % من مجمل الإيرادات. المعادلة يجب أن تكون أكثر توازنا، إذ إن زيادة الاعتماد على ضريبة الدخل يجب أن يوازيها تخفيض في نسبة الإيرادات من ضريبة المبيعات لما لذلك من أثر إيجابي على النشاط الاقتصادي.

ثانيا: يجب على الحكومة أن تفكر جديا في "عفو ضريبي" سواء كان ذلك على ضريبة الدخل أم المبيعات، بالرغم من شح المعلومات، إلا أنه ليس سرا أن هناك تهربا ضريبيا كبيرا من قطاعات أو مستويات محددة من القطاع الخاص، وأن هناك نسبة كبيرة من العاملين وأصحاب المصالح هم خارج الوعاء الضريبي، يهدف الإعفاء الضريبي لتشجيع أصحاب الأعمال والأفراد لتقديم الإقرارات الضريبية الفعلية وليس الوهمية والذي قد يساهم أيضا في توسيع الوعاء الضريبي، وزيادة إيرادات الحكومة.

ثالثا: إعادة هيكلة دائرة ضريبة الدخل لتواكب التطورات التي حصلت على الاقتصاد والمجتمع الأردني، وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي، والقضاء على الواسطة والمحسوبية في عمليات التقدير الضريبي، وغيرها من المعاملات.

رابعاً: إجراء حوارات مغلقة مع ممثلي بعض الفئات التي هناك اعتقاد واسع بأنها تتهرب من دفع الضريبة، ويقع على عائق الحكومة استخدام الأدلة والمعلومات المتوفرة لديها حول هذه المسألة . الهدف من هذه الحوارات هو التوصل إلى تفاهمات محددة حول كيفية حل هذه المشكلة دون المساس بمصالح الناس وحقوقهم ولكن في الوقت نفسه التوصل لتفاهمات محددة حول هذه القضية والتوصل إلى حل مرضٍ للجميع. 

يشكل سحب مشروع قانون ضريبة الدخل فرصة ذهبية أمام حكومة الرزاز في التوصل الى قانون عصري ومتوازن ملتزم  بنص وروح الدستور الأردني الذي حدد ثلاثة مبادئ يكرس بها حق تنظيم  قضية الضرائب، وهي حق الحكومة بتحصيل الضرائب، ولكن مع مراعاة التصاعدية في نسبة الضريبة ، دون الحصول على أكثر ما تحتاج ودون فرض ضرائب تشكل عبئا على كاهل المكلفين أو عدم الوصول لـ"الإجهاد الضريبي" الذي تشير اليه العديد من الدراسات.

وسيشكل التعامل مع مشروع قانون ضريبة الدخل اختبارا حقيقيا ليس لنوايا الحكومة، وإنما لقدرتها على تنفيذ وعودها، وتنفيذ ما جاء في خطاب التكليف السامي للحكومة.