خلافات قيادة الجبهة

 

حديث اليوم موجه الى العقلاء في قيادة الحركة الاسلامية، الى رجالات ورموز الجماعة الذين يحرصون على استمرار صورتها الايجابية، ويتعاملون مع الحركة باعتبارها فكرة ودعوة، وليست مرتعا للمكاسب او حزبا للمواقع والتنازع على المصالح؛ هؤلاء الذين يتحملون مسؤولية حفظ هيبة الحركة والحفاظ على مسارها.

اضافة اعلان

وبعيدا عن الاستدراكات والتحفظات، فإن ما يقرأه الناس في الصحف عن الخلافات والتنازع والاستقطاب والاتهامات داخل قيادة حزب جبهة العمل الاسلامي امر فاق ما يجب، واصبحت بعض الصحف الاسبوعية هدفا للبحث عن التسريبات والتحليلات والاخبار المنسوبة الى مصادر مطلعة داخل القيادة، ليكتشف القراء مع كل عدد ان ما يجري لا علاقة له بالفكر والسياسة، وانه تنازع وتنافس لا يختلفان عما يجري في كل الاحزاب. لا نلوم الاعلام لأنه يبحث عن الاخبار؛ وهناك صحف تمارس اصطفافا مع معسكر ضد آخر، وهذا امر تختاره هي، فالمشكلة في قيادة الحزب، من كل التصنيفات والتيارات، وان كان بعض من فيها يمارس استغلالا واسعا للاعلام والصحف، ويقوم بتسريب تفاصيل يفترض انها ملك لقيادة الحزب، وليست سلاحا في صراع فقد كل مبرراته!

الكثير من المتابعين يتصلون يسألون عما يجري، وهل موقع الامين العام للحزب، او عضوية المكتب التنفيذي، مهمان الى الدرجة التي يتنازع عليها تياران؟! وحتى لو كان اصل الخلاف سياسيا، وتصنيفا بين الوسط والتيار الرابع او الخامس، فهل يبرر كل هذا وصول الامور الى هذا الحد من السطحية؟! فما نقرأه في الصحف، ومصدره تسريبات من داخل هذين التيارين (أو التيارات) لا يؤكد الا ان ما يجري هو على طريقة التآمر والمكائد! واقل الألفاظ "محاولة اسقاط" الامين العام! لكن الجوهر يظهر هؤلاء الذين يقدمون انفسهم رموزا للاصلاح، ويطالبون باصلاح العالم، كأنهم مجموعات تتقاتل على مواقع، ولا يغير من ذلك ان كان اصل الامر خلافا سياسيا.

ما يعلمه الجميع ان قيادة الحزب شكلية، فالمرجعية لقيادة جماعة الاخوان. وما يتم التنازع حوله، وهو موقع الامين العام للجبهة، يجري تعيينه من شورى الاخوان، ثم يتم انتخابه شكليا في مجلس شورى الحزب. وانتخابات المكتب التنفيذي للحزب تسبقها كولسات وتفاهمات توافق عليها اقطاب الجماعة؛ فهي إذن مواقع شكلية، لان أصحابها لا يملكون اتخاذ قرارات مفصلية، من مشاركة ومقاطعة، او حتى ادارة اي ازمة. ومجلس شورى الحزب العتيد لم يجتمع طيلة ازمة النواب الا في (12/9)، اي بعد الازمة بثلاثة أشهر!

لا حاجة للاساءة للحركة الاسلامية وصورتها عبر كل اشكال التنازع التي تصل الى حدود التآمر، كما تشير التسريبات الى الصحف؛ فالحزب كله اداة من ادوات الجماعة، واذا كان سيتحول الى مجال للاستقطاب والتنازع، وبالتالي تشويه العمل الاسلامي، فلا ضرورة له، إذ لا تحتاج الجماعة الى الشرعية ولا المشروعية من الحزب، بل ان الجماعة هي التي تهيمن على الحزب اداريا وماليا وتنظيميا وسياسيا.

سواء بقي الامين العام او استقال، فإن التاريخ لن يتغير. وسواء بقي المكتب التنفيذي او ذهب، فإن الامر سيان، إذ إننا في زمن دول فيه قد لا تؤثر، فكيف باحزاب؟! ولا ضرورة إلى ان نصنع وهما بأن الصراع فكري سياسي على مواقع استراتيجية، فليأت اكثر الاسلاميين تشددا او اعتدالا وستكون المحصلة واحدة. وجوهر منهج الجماعة واحد، ان لم يكن بقناعة، فتحت ضغط الظروف والمتغيرات والامكانات. لهذا، على الجميع أن يعرفوا احجام المواقع، وأن كل هذه الالقاب اقل بكثير مما دفعته الحركة نتيجة ما كُتب وما قيل عن هذه الخلافات والنزاعات، التي وصلت حد الحديث عن استقالة 18 عضوا من مجلس شورى الجماعة قبل اشهر، ليكتشف الجميع انها تسريبات وبالونات اختبار، واستعمال للاعلام في التنافس الداخلي.

على العقلاء والحكماء واصحاب القرار في الجماعة ايقاف هذه الاساءة للحركة. ولتتوقف حرب التسريبات التي تتراوح بين الخبر الصحيح والروايات التي تحتاج الى اختبار. فالامر زاد عن الحد، ولم يعد اختلافا في الاجتهادات، بل تنازع وكولسات الى حد التآمر، على الاقل على صفحات الصحف.

هناك خلاف جوهري وعميق، لكن ادارته بهذه الطريقة هدر للجماعة والحزب. ولا يمكن فهم الاتهامات التي قرأها الناس في الصحف من قيادات لاخرى، بالعمالة للحكومة، الا في سياق خروج الامور الى هاوية رديئة، تنتظر تدخل العقلاء قبل ان لا يصبح للتدخل قيمة.

[email protected]