خلاف ثمنه من دماء السوريين!

تدل الاجتماعات الطارئة في مجلس الأمن الدولي حول سورية على أنّ حجم الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا في اتساع، وأن التراشق الكلامي المتصاعد بينهما لا يكترث بأنه يقبض ثمن لا أخلاقيته من دماء السوريين، وأنه مع تداعي الهدنة الأخيرة في سورية واتساع الخلاف بين القطبين الدوليين، سيزداد القتل بحق المدنيين والتهجير القسري والنزوح إلى أنْ يصار إلى اتفاق هشّ جديد بينهما، قبل أن يعود الحديث مجدداً عن الفصل بين المسلحين وفك ارتباطهم وتداخلهم مع "الجماعات الإرهابية". وقد رأينا كيف قابل حديث وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، عن "وجوب منع طائرات النظام السوري من التحليق فوق مناطق المعارضة"، تشديد نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال جلسة مجلس الأمن حول سورية على مراجعة لائحة "المجموعات الإرهابية" بعد ما وقع من انتهاكات للهدنة في سورية. وعلى حين أشار كيري في الجلسة إلى أن "نظام الأسد وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية لا يريدون التوصل إلى هدنة في سورية من أجل تبرير وجودهم"، وإلى أن "من الصعب أنْ نفصل بين الجماعات المسلحة وهي تتعرض لقصف عشوائي"، أكد لافروف إصراره على أولوية "الذهاب إلى المفاوضات من دون شروط مسبقة" وأولوية "فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة النصرة في سورية" قبل انسيابية وصول المساعدات الإنسانية وإنقاذ الجرحى والمرضى وتخفيف الحصار.اضافة اعلان
التصعيد في اللهجة الأميركية ضد الروس لا يعفي واشنطن من مسؤوليتها عن تمدد المأساة السورية واستفحالها، حتى وإن كان هذا التصعيد مرده إلى أن واشنطن تعتقد أنّ موسكو بوقوفها الفجّ مع بطش النظام السوري بشعبه إنما يعني إعادة إنتاج نظام الأسد بالإكراه والتهجير والتطهير و"التجويع والتركيع" وإفناء المعارضة السياسية بمساعدة إيران. ولا شكّ في أن كلمة المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، في جلسة مجلس الأمن حول سورية لم يكن بمقدورها مهاجمة واشنطن على ذاك النحو واتهامها بدعم "الإرهابيين" لولا مظلة "الفيتو الروسي" في مجلس الأمن والغطاء الذي تمنحه موسكو لسلوكات النظام السوري وعدم خشيته من العقاب.
المشكلة أن كيري في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي لم يربط نقده اللاذع لموسكو بالنقد الواجب أيضاً لطهران ومليشياتها التي تفتك بالشعب السوري وتدعم الحل العسكري وتدعم فكرة النظام في أن "كل المعارضة إرهابية"، وكان من المفروض أن يربط كيري بين إرهاب "النصرة" و"داعش" وإرهاب "حزب الله" وإرهاب مليشيا "النجباء" الشيعية وسواها من جماعات لا تقل دموية عن "داعش". والخطير في الأمر منذ سنوات أن "التمييز" الأميركي في إدانة الإرهاب وعدم محاربته على قدم المساواة، قد خلق اليوم، بجانب عوامل أخرى، جغرافيا سياسية جديدة في الشرق الأوسط، وقلب توازنات القوة، وأنتج توزيعاً ديمغرافياً مختلفاً، لا يخضع للعدالة وحقوق الإنسان واعتبارات التاريخ، وإنما لموازين القوة الغاشمة والتهجير القسري وجرائم التجويع والحصار والانتقام المذهبي على يد من "يقدرون مصالحهم ويحسبون الربح والخسارة"، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، ذات مقابلة عن إيران. وإذا كانت هذه التركة السوداء هي نتاج الاستبدادين السياسي والديني في المنطقة، وتراخي المجتمع الدولي في الإسهام بنصيبه في معالجتها مبكراً، فإن الذكرى الخامسة عشرة لجريمة 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية التي مرت هذا الشهر تؤكّد مجدداً هذه الحقيقة، وتؤكد أن الاتفاق النووي الإيراني لم يُصعّد المعتدلين في إيران كما كانت تروّج واشنطن والغرب، وهذا أكد في المحصلة الحاجة الماسة لوقف التمييز في مقاربة الظاهرة الإرهابية، والاستمرار في طرق الخزان والتحذير بأنه ليس ثمة إرهاب نافع وآخر ضار، لأنّ تمييزاً كهذا، كما نرى في سورية والعراق، حافزٌ أعمى لتوليد الإرهاب والفوضى وتناسلهما، ليس إلاّ.