خلصونا من كذبة وهيبة التوجيهي

منذ بدء جائحة كورونا كنا نسمع ليلاً نهاراً من يحذر من انهيار المنظومة الصحية في الأردن، ويضع المؤشرات والمصفوفات التي يجب أن نتنبه لها قبل أن تتداعى الأوضاع، وهذا كله جيد وضروري ومهم، ولكن بالمقابل لم نسمع الأصوات تتعالى وتدق جرس الإنذار من انهيار منظومة التعليم، رغم كل المخاطر التي تعرضت لها، وما تزال، منذ أن تسببت كورونا في الإغلاقات وتوقف التعليم الوجاهي منذ شهر آذار من العام الماضي. التحديات والمشكلات التي ضربت التعليم لا تقل خطورة عن الوضع الصحي، ومع ذلك وحتى الآن يجري التعامل معها وكأنها شيء عابر، وآخر المحطات حين صرح وزير الصحة أن الأردن غير مستعد للتعليم الوجاهي في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، وعاد وتدارك الأمر وأوضح ما يقصده بدقة أكثر. لم تدرس حتى الآن ما خلفته تجربة التعليم عن بعد في الأردن بشكل علمي ومنهجي معمق، غير أن الشكاوى لم تتوقف عن ابتعاد الكثير من الطلبة عن منصات التعليم، وعدم الالتحاق في الحصص الصفية «أونلاين»، هذا عدا عن آلاف العائلات التي تحدثت عن صعوبات التعليم بسبب ضعف وعدم كفاءة الإنترنت، أو عدم توفر الكمبيوتر عند كافة الطلبة ليأخذوا حقهم العادل في تلقي التعليم. نظرة عابرة إذا ما استثنينا عددا محدودا من المدارس الخاصة التي وضعت منهجية للتعليم عن بعد، وآليات للمراقبة والمتابعة والتقييم، وهيأت معلميها ومعلماتها لتنفيذ هذه المهام، وبذات الوقت فإن عائلات هؤلاء الطلبة والطالبات من المقتدرين الذين يستطيعون توفير متطلبات هذا النوع من التعليم، فإنني أستطيع القول وبضمير مرتاح إن التعليم كان ضعيفاً وبائساً، وبلغة أكثر فجاجة لم يكن موجودا بشكل فعلي، والنظام التعليمي على شفير الانهيار. في ظل هذا التراجع عدنا لنفس موال كل عام وهو التوجيهي، وهذه السنة ارتفع منسوب الشكوى والنقد للأسئلة وصعوبتها، ووصلت الأمور ذروتها في مادتي الفيزياء والرياضيات، والحقيقة هذا «النواح» يتكرر كل عام، ولا أحد يتعظ، وخاصة في وزارة التربية. الى متى ستستمر مهزلة التوجيهي، الى متى سنظل نعتقد أن علينا المحافظة على «هيبة» التوجيهي؟ هل يعقل في العام 2021 وما نزال نعتقد ان تحديد مصير الطلبة خلال عام التوجيهي منهج صحيح؟ قيل وكتب الكثير عن حاجة النظام التعليمي لثورة تعيد بناءه من جديد، وحتى الآن لم نتلمس طريقنا في اكتشاف الطاقات والقدرات الإبداعية لطلبتنا، وما نزال نحشرهم في قاعات الامتحان لنعاقبهم إذا لم تسعفهم الذاكرة في استرجاع النصوص وحفظها، مع أن هذا النمط أصبح من مخلفات الماضي بعد أن أصبح «السيد جوجل» حاضراً يجيب النداء. مختصر القول؛ خلصونا من التوجيهي، ومن كل الكلام المتهالك عن هيبة التعليم في بلادنا، انظروا لأنظمة التعليم التي تصنع الفرق، وتفجر طاقات الانسان للإبداع، وتكتشف اهتماماته وقدراته، فتأخذه نحوها لتنميتها. ماذا يريد طالب بمادة الفيزياء وهو يعشق الفن والرسم، وماذا يريد آخر من درس الجيولوجيا مثلا وهو مهووس في تصميم افلام الكرتون؟ كل سنة تحدث ذات الازمة بالتوجيهي، وحتى ولو حصل الطلبة على معدل 100 % لن نسلم من النقد والتندر، ويخرج المعلمون والمعلمات وبعض الخبراء ليقيموا الاسئلة ومستواها، وتتصدى وزارة التربية لما تسميه حملات التشكيك، ويدخل النواب على خط الأزمة، وتطوق الأزمة وتعود «حليمة لعادتها القديمة». اذا لم نتدارك الأمر وننقذ نظامنا التعليمي فنحن في خطر، وأول الخطوات الجدية التخلص من «كذبة» التوجيهي المرعبة، وبالتوازي وضع منهج تعليمي يقفز من «سلفية التعليم السائدة» منذ عقود، فحتى ينهض الأردن ويعود للمنافسة، ويصبح الإنسان أغلى ما يملك، عليه أن يعيد بناء التعليم من جديد، وبعكس ذلك فالانحدار مستمر، والأمية تتفشى حتى وإن كانوا يحملون شهادات جامعية.اضافة اعلان