خلود الجمل تطور علاجات وتقنيات مخبرية في مجال الأورام السرطانية

د. خلود تيسير الجمل
د. خلود تيسير الجمل

اسراء الردايدة

عمان- القدرة على تحقيق إنجازات علمية ليس بالأمر السهل، لكن الإرادة والشغف في البحث والتطوير كانا حافزا لإنسانة غدت من أفضل المتخصصين في مجالها وعلى مستوى عالمي في سن مبكرة.اضافة اعلان
الدكتورة خلود تيسير الجمل -من عائلة تتميز بالإنجازات العلمية- حققت 4 براءات اختراع ترتبط بأبحاث تطوير نواقل نانونية كربونية تستخدم في علاج وتشخيص الأمراض والأورام السرطانية وإيصال الدواء للخلايا وعلاجها.
اختارت الجمل أصعب التخصصات وأحدثها لتشق طريقها بغية تقديم الأفضل في مجال طب “النانو” وتقنياته المعقدة فحلقت في هذا المجال، وهي تعمل الآن في معهد العلوم الصيدلانية في كلية كينجز لندن (جامعة لندن)، وتمكنت من أن تصل لرتبة Reader التي تؤهلها (لدرجة بروفيسور) في غضون فترة قصيرة بفضل جهودها وأبحاثها.
بدأت رحلتها العلمية بعد تخرجها في جامعة البترا بتخصص صيدلة في العام 2003، ثم انتقلت بعد ذلك كباحثة في جامعة لندن. ومنذ العام 2004 وحتى 2013 تدرجت كأستاذ محاضر ومشارك، وباحثة في المجال نفسه مع كبار الباحثين في أحدث تقنيات تطوير طب النانو والأدوية.
والأبحاث التي تقوم بها د. الجمل، تتمحور حول تطوير تقنيات علاج الأورام السرطانية باستخدام طب النانو؛ حيث صممت نواقل كربونية نانونية لإيصال الدواء للخلايا المصابة الى جانب خبرتها في مجال تطبيقات الثيرانوستيك، والحرائك الدوائية وإيصال الدواء الى الحاجز الدموي الدماغي.
كما تعمل د.الجمل على بحوث تشمل الخلايا الجذعية وتقنية الجسيمات المغناطيسية النانونية القادرة على تمييز الخلية السرطانية، وتلعب دورا مشابها بالبوصلة وتتحرك على طول حقل مغناطيسي مطبق، وغيرها من الأبحاث الدوائية في نطاق طب النانو وتقنيته في علاج السرطان.
وفي العام 2012، تلقت د. الجمل جائزة العلوم الجمعية الصيدلانية الملكية (RPS)، وتعد ثالث امرأة تحصد هذه الجائزة خلال 45 عاما، منحت لها كاعتراف بأعمالها في مجال الطب النانوني، وخبرتها في تصميم وتطوير منظومات إيصال الأدوية باستخدام مواد ناقلة نانونية في التطبيقات العلاجية والتشخيصية.
وتمنح هذه الجائزة لمن حققوا إنجازات يتم قياسها على مدى 10 أعوام من نيلهم الدكتوراه وخبرتهم في مجال العلوم الصيدلانية، وسجلوا أبحاثا مستقلة وأعمالا منشورة؛ حيث تملك الجمل نحو أكثر من 100 ورقة بحثية.
الجمل لم تتوقف عند هذا الحد، بل تقوم بالبحث العلمي في المختبر حوالي 12 ساعة يوميا، برفقة فريق تشرف عليه يتكون من 15 طالبا وباحثا لكل منهم فكرة وبحث ودراسة يجريها في سعي لتطوير العلم، وهذه الأبحاث العلمية طريقتها تختلف تماما عما درسته في الأردن، حين تخرجت من جامعة البترا حينها.
تقول الجمل “في مجال الأبحاث تغيب الكفاءة والدعم المادي للأبحاث محليا على عكس الاهتمام بهذا المجال في الخارج، وتعطي مثالا على حكومة المملكة المتحدة والميزانية التي تخصص لمثل هذه الأبحاث، ويتم اختيار المشاريع الرائدة وتمويلها ما يخلق منافسة ليكون أفضل باحث ويتنافس مع من هم في مجاله”.
وخلال دراستها وعملها كباحثة وأستاذ ومشرف في تخصص يعد حديثا عمليا، عملت على أبحاث لأمراض السرطان والدماغ، موضحة أن كليهما يحتاجان لوسيلة نقل للدواء الذي لا يمكن له عبور واختراق الأوعية الدموية نظرا لضيقها ما جعلها تفكر في طريقة لنقل الدواء بأنابيب أكثر رفعا باستخدام تقنية النانو لتخترق هذه الأوعية الدقيقة عبر نواقل صغيرة جدا أشبه بمجسمات لا ترى بالعين المجردة بل تطلب مجهرا إلكترونيا خاصا لمتابعة أثرها.
وعن العمل في بيئة تتطلب الكثير من الدراسة والتركيز الى جانب مسؤوليات إدارة فريق لا يقل عن 15 طالبا يقوم كل منهم بإجراء بحثه ودراسات وعمل يومي لا يقل عن 12 ساعة، تبين الجمل أن أهم ما تعلمته منذ انخراطها في هذا المجال هو مهارة البحث والمتابعة، ولعمل ورقة بحثية يجب أن يمضي الباحث فترة لا تقل عن عام في تجارب مخبرية على خلايا قبل نقلها للحيوانات وتحويلها لدواء.
وتمارس الجمل مهنة الصيدلة من وقت لآخر في صيدليات عدة، كي تكون قريبة من الناس، مدركة أهمية ما تفعله لتسهيل وتحسين حياة الكثيرين، وفي الوقت نفسه تشعر بمسؤولياتها الكبيرة في تحفيز الطلبة الشباب ودفعهم لتقديم أفضل ما لديهم، معتبرة أنها تتعلم منهم بقدر ما تفيدهم.
وتعمل حاليا على جملة من الأبحاث أبرزها Nanomedicine research group, drug delivery، والتي تعني تغيير نوع المادة الناقلة لمعرفة أين يذهب الدواء في الخلية، بغية التمكن من رؤية العلاج لمرضى السرطان عبر image guide delivery، بحيث تسهل تعقب عمل الدواء وقياس أثره بعد دخوله للخلية.
وكان من أبرز ما عملت فيه د. الجمل، ونالت عليه براءة اختراع وتمويل من قبل مجلس بحوث العلوم البيولوجية والتكنولوجيا الحيوية BBSRC، من خلال منحة بلغت نصف مليون باوند، في مجال استخدام مواد داخل الإبر النانونية كناقلات لتقديم علاجات تخترق الحاجز الدموي الدماغي، وشكلت فريق عمل معها خلال تلك المدة بقيادتها لا يقل عددهم عن 4 أفراد.
ومن الأبحاث الأخرى التي قامت بها، استخدام نواقل للأدوية من خلال تواجد مغناطيس فيها، بحيث تستهدف الخلايا المصابة بحسب طبيعة الجسم العامة، ويتم تركيبها للتعامل مع الخلايا المصابة بتوفير مستشعرات في حقل مغناطيسي.
وهذه الأبحاث والدراسات التي تتم باستخدام أحدث التقنيات والمعدات في مجال طب النانو باتت تشهد ظهورا محليا ولكن متأخرة 20 عاما، لأن الطلبة الذين درسوها في الخارج سابقا عادوا ليعلموها ويمارسوها داخل الوطن، في وقت كان العالم متقدما بكثير، فضلا عن أن هذا التخصص يتطلب الكثير من الدعم ودرجة عالية من التطور لا تتوفر محليا، الى جانب أن الأبحاث العلمية في المملكة المتحدة ترصد لها ميزانية ضخمة تمولها الحكومة مقابل وضعها محليا.
وخارج نطاق الأبحاث والمحاضرات والمختبر، تهتم الجمل بتقديم العلم وتوضيح ما تقوم به لغير العلماء من خلال إيصال المعلومة عبر صور للأبحاث التي يقومون بها في مجال العلوم الطبية الحيوية؛ حيث نالت ثلاث مرات متتالية جائزة أفضل صورة علمية تنشر في Wellcome Images Collection، وهو موقع متخصص بنشر صور للأبحاث التي لا ترى بالعين المجردة، بحيث تعرف الناس بما يقومون به بصورة توضيحية ملونة خاصة تحت المجهر.
وكانت أول صورة فازت في العام 2014 عن علاج سرطان الثدي، وكيف تموت الخلايا السرطانية عبر استخدام لون يبين كيف كان استهدافها بالعلاج، والصورة الثانية فازت في العام 2015 كانت عن إيصال علاج لخلية دماغية باستخدام أنابيب نانونية كربونية جرافينية وهي أقل سماكة من الأنابيب العادية، وتتيح تعديل التعرف على الخلايا السرطانية.
فيما الصورة الفائزة للعام الحالي كانت تمثل للبكتيريا فوق الجرافين، والتي يتم استخدامها أحيانا من خلال الأدوية المضادة لقتل الخلايا السرطانية، وهي تبرز التطور في استخدام الجرافين في هذه الأبحاث وتوسع مجالاتها. وترى الجمل في مثل هذه الصورة تحفيزا للطلبة على تقديم أفضل ما لديهم وتمثيل أعمالهم، خاصة أنها تنشر في الصحف البريطانية الكبرى مثل الاندبندنت والغارديان، والمتحف العلمي وغيرها.
وفيما هي مستمرة حتى هذه اللحظة بين محاضرات وأبحاث مخبرية لنشر هذه المعرفة، فهي من الشخصيات القادرة على العطاء المستمر في سبيل إثراء المعرفة العلمية وتطوير علاجات لخلق أمل جديد كل يوم في مجال الأورام السرطانية وعلاجها بتقنيات وعقول ذكية معطاءة لا تكل من التجريب والمثابرة.