خيارات العفو العام

لم يوقف النفي الرسمي لوجود توجه لإصدار عفو عام قريب الجدل في الشارع، ولا أنهى قناعة الكثيرين بوجود توجه حقيقي تعمل الحكومة على إعداد قانونه حاليا ليصدر بمناسبة عيد استقلال المملكة. اضافة اعلان
تصريح المصدر الرسمي الذي نقلته مواقع اخبارية وصحفية قبل ايام، ونفت فيه الحكومة نفيا قاطعا وجود مشروع للعفو العام، يتضمن إعفاء من غرامات ومخالفات مالية، ورغم حسمه الجدل كما يفترض، فإنه لم يحدّ من حجم التوقعات وترقب صدور عفو عام يطال شريحة واسعة من القضايا، خصوصا أن ثمة انطباعا عاما لدى الناس بعدم الثقة بالتصريحات الرسمية والاعتقاد أن النفي الرسمي لأي أمر قد يعني واقعيا عكسه، وتثبيتا لما ينفى!
كما أن رفع اغلبية نيابية للحكومة مقترحا بقانون لإصدار العفو العام عزز لدى الكثيرين التوقع بصدور مثل هذا العفو، خصوصا أن آخر عفو عام صدر قبل أكثر من عقد من الزمن.
وبعيدا عن النفي الرسمي وقناعة الناس بعدم صحة النفي، فان قضية العفو العام تبقى قضية جدلية ومثار خلاف وتباين في الآراء بين مدارس قانونية وحقوقية وسياسية متنوعة، عالميا ومحليا، بين من يعارض فكرة العفو العام عن محكومين واشخاص منظورة قضاياهم أمام القضاء، باعتبار ذلك غير عادل وفيه إجحاف بحق الضحايا وتشجيع للجريمة ومخالفة القانون، إضافة طبعا إلى التنازل غير المبرر عن حقوق مالية عامة بإعفاء مخالفين من الغرامات والمخالفات المالية.
فيما يرى المؤيدون لمبدأ العفو العام أن فيه ايجابيات عديدة للمجتمع، ليس اقلها منح فرصة جديدة لكثير من الناس ممن تورطوا بمخالفة القانون للعودة الى المجتمع والى اسرهم، واشاعة الانفراج العام، ولا سيما في اوقات الاحتقانات والضغوط العامة، وايضا خفض كلف الإيواء والإعاشة في مراكز الاحتجاز والسجون، وغيرها من اسباب قانونية وسياسية يحاجج بها المؤيدون لمبدأ العفو العام.
الوضع في الاردن لم يختلف عنه في العالم تجاه الجدل حول قضية العفو العام، وسجل في المملكة إصدار العديد من قوانين العفو العام على مدى العقود الماضية، اضافة طبعا إلى إصدار عفو خاص بأكثر من مناسبة.
الأكثر حساسية في قضية العفو العام أمام صاحب القرار والسلطات يكون عادة متعلقا بالحقوق الشخصية للضحايا والمتضررين، خصوصا في جرائم القتل والاغتصاب وغيرها، إضافة إلى الحقوق المالية للمتضررين في قضايا الشيكات والنصب والاحتيال وإساءة الائتمان وغيرها من قضايا مالية، لذلك كان هناك دائما استثناء لبعض الجرائم والقضايا من الشمول بالعفو العام، إضافة إلى الحرص على الفصل بين الجزائي والحقوقي المالي في قضايا أخرى وفق معادلات قانونية محكمة.
لا يمكن لصاحب الولاية القانونية وهو يبحث إمكانية اصدار قانون للعفو العام، الا ان يوازن بين الابعاد القانونية والحقوقية والسياسية لصدور مثل هذا القانون في هذه اللحظة او تلك.
لذلك قد يبدو الجدل واثارة الموضوع بقوة في هذا التوقيت مفهوما ومبررا، حيث تجتمع عدة عوامل تدفع موضوعيا الى ترجيح صوابية إصدار عفو عام يمنح فرصة ثانية للعديدين للعودة الى المجتمع وبدء حياة جديدة، ويلحظ بالوقت ذاته حجم الضغوط والاحتقانات الاجتماعية والسياسية والمعيشية، وما رتبته الانهيارات المعيشية والاقتصادية في السنوات الاخيرة من تزايد في قضايا الشيكات بدون رصيد وعجز تجار ومهنيين وحرفيين ومواطنين عاديين عن الالتزام بتسديد الديون والقروض، وغيرها من ظواهر.
لكل ذلك، قد تكون المعادلة صعبة ومعقدة أمام صانع القرار وهو يبحث قضية العفو العام، لتحقيق توازنات قانونية وحقوقية وسياسية يمكن أن تترتب على القانون. لكن الثابت ان الوصول الى مثل هذه المعادلة الدقيقة ورغم تعقيداتها لم يمنع في محطات كثيرة من الجوء الى العفو العام وحسم الخيار لصالح إصداره.