خيارات بعيدة عن الصندوق

سلامة الدرعاوي بعثة صندوق النقد الدولي تجري حاليا المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيلات الموقع مع الأردن والممتد لأربع سنوات تنتهي في بداية عام 2023. هذه المراجعة كما كتبت عنها في مقال سابق في غاية من الأهمية خاصة في ظل التعافي التدريجي للاقتصاد من تداعيات جائحة كورونا، وعودة الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية المختلفة لأعمالها الطبيعية. على ضوء هذه المراجعة الاقتصادية لبعثة الصندوق وما ستخرج بها من نتائج سيتقرر شكل استمرار الدعم من قبل المؤسسة الدولية للاقتصاد الأردني. قد يقول البعض كما جرت العادة ان كل زيارة لوفد الصندوق ان برامج الصندوق لم تحقق النتائج التنموية المرجوة، ولم تعزز الأمن المعيشي للمواطنين وتركت تداعيات اجتماعية سلبية في الشارع بكافة أشكالها. الادعاءات السابقة هي نتائج حقيقية الى ما آلت اليه الأمور في المشهد الاقتصاد الوطني الذي يتعرض يوميا لضغوطات اقتصادية واجتماعية كبيرة تؤثر سلبا على عملية النمو المستهدف وتشكل تحديا حقيقيا في استدامة التنمية بالشكل المستهدف. لكن الحقيقة التي يحاول الكثير تجاهلها والالتفاف عليها هو ان هذه النتائج هي محصلة طبيعية للفشل الرسمي في إدارة الاقتصاد الوطني من قبل الحكومات المختلفة والذي تمثل أساسا في زيادات غير مدروسة او ممنهجة في النفقات العامة والذي ادى بشكل كبير الى نمو العجز وبالتالي ارتفاع المديونية لتلبية النفقات التمويلية الحكومية المتنوعة. هذه النتائج مع الصندوق هي احدى إفرازات التقاعس الحكومي في إدارة المال العام وتنفيذ الإصلاحات الصناعية بشكل عادل وغياب الشفافية والنزاهة في السياسات الاقتصادية المتبعة، والتي أدت في مجملها إلى ترهل القطاع العام ومزيد من الانفاق التشغيلي وتباطؤ في النمو، وتراجع الخدمات وغيرها من المظاهر التي أثرت سلبا على المشهد الاقتصادي العام. الذين يهاجمون العلاقة مع الصندوق حاليا لا يسألون أنفسهم من الذي بالأساس دفع الحكومات للجوء للصندوق؟. طبعا، الجميع يعلم ان الأردن هو الذي لجأ للصندوق بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت به او ما عرفت بأزمة الدينار سنة 1989، حينها لجأ الأردن للصندوق بعد ان أوقف العالم كل تعاملاته مع المملكة، ولم يعد بنك في العالم يقبل فتح اعتماد صادر من الأردن الذي لم يعد قادراً وقتها على الوفاء بالتزاماته الخارجية من ديون استحقت عليه، حينها لم يكن أمامه سوى صندوق النقد لإعادته للوضع المالي الدولي. نعم هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها الكثير ممن يناقشون الوضع الاقتصادي باستمرار ويلقون اللوم على برامج التصحيح الاقتصادي مع الصندوق. العلاقة مع الصندوق تعني للأردن الاستمرار في العلاقات المؤسسية السليمة مع كل المانحين حتى الدول الصديقة مع المملكة، فلا مساعدات ولا منح ولا فروق بأسعار فائدة مخفضة نسبيا دون وجود شهادة سلوك من صندوق النقد الدولي. العلاقة مع الصندوق تعني استقرارا إيجابيا في التصنيف السيادي للمملكة لدى مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية التي تعتبر شهاداتها عاملا أساسيا في تشكيل نظرة المجتمعات الدولية والشركات والمستثمرين تجاه الاقتصاد. لكن في المقابل يبقى السؤال المشروع الذي يطرح بين الفترة والأخرى حول قدرة المملكة السير باقتصادها بعيداً عن الصندوق؟ الأصل ان تدير الحكومات اقتصادها بمعزل عن اي تدخلات من الخارج، وهذا الأمر يتطلب برنامج عمل اقتصاديا وطنيا عابرا للحكومات يقر بشكل مؤسسي ويكون ملزما للجميع، وهنا نقطة الضعف في إدارة الاقتصاد الرسمي منذ سنوات، تعدد الإدارات التنفيذية لاقتصاد بمزاجية مختلفة بين الحكومة والاخرى وكأننا تعيش في دول عدة وليس في دولة واحدة. ليس مستحيلا على الأردن إدارة اقتصاده بمعزل عن الصندوق، لكنه يجب قبل كل شيء ان يعزز الاصلاحات الداخلية مع سيادة القانون والشفافية والنزاهة، حتى يكون قادرا على الالتزام بتنفيذ الخطط بحذافيرها وتحقيق المستهدف، وإلا فالبقاء مع الصندوق وبرامجه خير للأردن، يكفي ان هذه البرامج تنفذ بحذافيرها نتيجة الرقابة الدولية عليها. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان