خيارات سيئة فقط في سورية ومصر

مصريون يتظاهرون ضد الإخوان المسملين - (أرشيفية)
مصريون يتظاهرون ضد الإخوان المسملين - (أرشيفية)

أرميناك توكماجيان – (ميدل إيست أونلاين) 8/7/2013

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

مصر وسورية، الدولتان المهمتان في العالم العربي، واللتان شكلتا –أو أنهما شاركتا على الأقل- في صياغة تاريخ الشرق الأوسط وسياساته؛ القلب النابض للقومية العربية لأكثر من أربعة عقود؛ الموازن العسكري لعدو العرب المعلن –إسرائيل؛ قائدتا العالم العربي، خسرتا موقفيهما القويين في المنطقة فعلاً فيما يبدو. في هذه الآونة، تختبر سورية ومصر انحداراً كبيراً في قدراتهما السياسية والاقتصادية؛ ويواجه البلدان تحديات صعبة في ترتيب تاريخهما الحديث. وبعد أن كانا يشكلان أحجار الزاوية للعلمانية، يواجه البلدان الآن خطر التطرفية الدينية؛ وبينما كان البلدان رمز المقاومة ضد التدخل الخارجي في الشؤون الإقليمية، أصبحتا اليوم بوابتين رئيسيتين للعبور إلى المنطقة، ليس للتدخل الدولي فقط وإنما للقوى الإقليمية الجشعة أيضاً. ولعل أحد التحديات المشتركة التي تواجهها سورية ومصر اليوم هي غياب بدائل "جيدة." ولا توجد لدى البلدين في الوقت الحالي سوى خيارات "سيئة"؛ إما الدكتاتورية، غير القادرة على توفير الاستقرار بعد الآن، أو الفوضى التي لا تمكن تسميتها ديمقراطية.
لم تكن الثورة المصرية في كانون الثاني (يناير) 2011 نهاية، بل بداية الصراع المصري على السلطة والاستقرار. وعلى عكس بن علي، لم يكن مبارك راغباً التخلي عن السلطة، وكان ينوي توريث الحكم لابنه. وهكذا، اضطر المصريون إلى احتلال الميادين العامة لإجبار مبارك على تسليم السلطة وإعطاء فرصة لإجراء انتخابات رئاسية. وكانت القيام بمثل هذه الثورة السلمية، في دولة تمتلك مؤسسة أمنية قوية ومعقدة، يبدو مستحيلاً. ومع ذلك، غير موقف المؤسسة العسكرية في مصر المعادلة وشكل بداية جديدة بدت ديمقراطية. ونتيجة للانتخابات الأولى الديمقراطية نسبياً، وصل جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة وقدموا وعوداً. ولم يكن الإخوان يشكلون أغلبية بين الثوريين الذين أطاحوا بمبارك، وإنما تبين أنهم الأكثر تنظيماً. وكان العامل المفاجئ هو أن الجماعة، باعتبارها المنافس الرئيسي لمؤسستي الجيش والأمن، كسبت الانتخابات تحت رعاية الجيش في واقع الأمر. فهل كان الإخوان المسلمون خياراً جيداً لمصر؟
كانت حتى سنة واحدة لمرسي في الحكم كافية ليبين عدم قدرته على السيطرة على البلاد. ومع ذلك، ما يزال هناك سؤال رئيسي مطروح عما إذا كان الانقلاب الأخير قد حدث بسبب سياسات مرسي المحلية والأجنبية الفاشلة، أم لأنه كان قد تحدى الجيش. في الوقت الحاضر، ليست هناك خطة واضحة لما بعد الثورة الثانية؛ فالمجتمع منقسم، وجماعة الإخوان خسرت الجولة ولكنها ليست خارج اللعبة؛ فما هي الخيارات المتاحة لمستقبل مصر؟ لن تستسلم جماعة الإخوان المسلمين بسهولة؛ وحتى لو أنها تمكنت من فرض إرادتها، فإنها لن تكون لاعباً حاسماً في المشهد السياسي. ومع ذلك، فقد فشل الإخوان مسبقاً، كقادة لمصر، في قيادة البلد؛ وبعد سنوات من النضال من أجل السلطة، ضيعوا الفرصة عندما نالوها. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح الإسلام السياسي الذي روجته الأحزاب الدينية السياسية مثل الإخوان المسلمين يواجه أزمة، ليس في مصر وحسب وإنما في دول عربية أخرى، وحتى في تركيا. ويشكل السلفيون، من الناحية الأخرى، الجناح الأكثر تطرفاً من اللاعبين السياسيين في البلد، وستكون مهمة شاقة بالنسبة لهم محاولة الوصول إلى السلطة من خلال عبور الملايين من الناشطن العلمانيين الذين يقيمون في الميادين العامة. وأخيراً، لا يبدو خيار العلمانية، ممثلاً بالجيش بشكل رئيسي، خياراً جيداً أيضاً. وعلى الرغم من أن الكثير من السكان المحليين رحبوا بالانقلاب على مرسي والدور الذي لعبه الجيش فيه، فإن من الضروري تذكر أن الجنرالات الحاليين هم نفس أولئك الذين كان الناس قد ثاروا ضدهم في المقام الأول. وفي النتيجة، يبقى الانقسام في المجتمع، وكذلك في الجهات السياسية الفاعلة مسألة مهمة، لكنه ليس المشكلة الرئيسية؛ إن المعضلة المركزية هي أنه لا يمكن لأي من هذين الطرفين أن يؤمن ديمقراطية قادرة اقتصادياً وسياسياً.
على الجهة الأخرى، تبدو الصورة السورية أكثر تعقيداً ومأسوية. ومع ذلك، تعاني سورية مبدئياً من نفس اللعنة التي أنجبها ما يُدعى الربيع العربي – لا خيارات "جيدة" في الأفق. وكانت تطورات القصة السورية مختلفة بالمقارنة مع مصر. فالمظاهرات السلمية، التي بدأت من مدينة درعا الجنوبية، سرعان ما انتشرت إلى المدن والبلدات الأخرى عبر سورية. ومع ذلك، تمتع الرئيس الأسد بمستوى جيد من الدعم من شرائح مختلفة من المجتمع السوري وتمكن من تنظيم "احتجاجات مضادة." ووفقاً لذلك، وإنما ليس على نحو إيجابي، بقي القرار الحاسم في أيدي المتشددين. وعلى العكس من مصر، بقيت أغلبية الجيش وقوات الأمن موالية للحكومة ونفذت سياساتها الوحشية في الميدان. وشكل ظهور المعارضة المسلحة المنظمة وقوتها المتعاظمة بداية حرب سورية الأهلية المدوّلة. وقد اجتذبت هذه التطورات مسلمين متطرفين من كل أنحاء العالم، والذين انضموا إلى الإسلاميين المحليين لتشكيل القسم الأكبر من المعارضة المسلحة.
على المستوى السياسي، ظهرت نخبة مُعارضة في المنفى. وأسست جماعة من المفكرين وناشطي حقوق الإنسان حملة سياسية ضد الأسد ليتخلى عن السلطة ويبدأ عملية سياسية. وبما لا يثير الاستغراب، رفض الأسد التنحي بينما فشلت المعارضة في أن تظل وطنية، وسرعان ما أصبحت في براثن الإخوان المسلمين. وبغض النظر عن الفرق في القدرات العسكرية والدبلوماسية، لا يشكل أي من اللاعبين الحاضرين خياراً "جيداً" لمستقبل سورية. ففي مرحلة افتراضية لما بعد الصراع، يمكن بالكاد للإدارة الحالية أن تلعب أي دور إيجابي: سوف تكون حكومة معتمدة على المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الفاسدة غير قادرة على فرض الاستقرار، وبالتالي ستبقى غير قادرة على إحداث تنمية اقتصادية يعتد بها. كما أن الإخوان المسلمين الذي يهيمنون على المعارضة، يبذلون محاولة مستمرة لاختطاف الثورة. وفي حقيقة الأمر، فإن رفض هيمنة جماعة الإخوان المسلمين ليس قائماً بين الخصوم السياسيين فقط، حيث أعلن الجناح العسكري للمعارضة -ممثلاً في الجيش السوري الحر- علناً العداء للجماعة. ووفاً لذلك، سوف تعمد العديد من الأطراف إلى الطعن في أي دور للإخوان المسلمين في سورية، مما سيخلق أزمة جديدة في نهاية المطاف. وأخيراً، يمتلك الإسلام الجهادي، الذي يكافح في سبيل فرض الشريعة في سورية، فرصاً ضئيلة في النجاح. وعلى الرغم من أن للجهاديين السلفيين اليد العليا حالياً على الأرض في أوساط المعارضة المسلحة، اجتماعياً وسياسياً، فإنهم يظلون غرباء بالنسبة لسورية، كما يقول هيثم مناع، وبذلك لا يستطيعون عرض أي حل شامل وجامع للأزمة السورية.
في الختام، أود القول بأن الصراع الداخلي على السلطة في هذين البلدين سوف يستمر حتى ظهور بديل "جيد". وعلى الرغم من أن نوع النضال يختلف، فإن كلا الدولتين بحاجة إلى الطرف الذي يمكن أن يتخذ تدابير حاسمة للاستيلاء على السلطة، والحفاظ عليها، والاستفادة منها للوصول إلى الاستقرار. ومع ذلك، يبقى توقع مثل هذا الفاعل الرئيسي في الساحة السياسية أمراً غير واقعي، في المستقبل القريب على الأقل، لأن ممثلي المعارضة أو السلطة الحاليين يفتقرون إلى ثلاثة شروط رئيسية هي: أولاً، الفراغ الأيديولوجي. ثانياً، أجندة سياسية واقعية وقابلة للتنفيذ، وأخيراً، إجابات سريعة للاقتصادات المنهارة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Only ‘Bad’ Alternatives in Syria and Egypt

اضافة اعلان

[email protected]