دارة الفنون تكرّم مسلم بمناسبة فوزه بجائزة "محمود درويش"

(من اليمين) د.فيصل دراج والفنان عبدالحي مسلم - (تصوير: محمد مغايضة)
(من اليمين) د.فيصل دراج والفنان عبدالحي مسلم - (تصوير: محمد مغايضة)

عزيزة علي

عمان – يعد الفنان عبدالحي مسلم قامة من قامات العمل الفني، فهو الذي قال: "بملعقة الشاي وقطعة حديد استطعت أن أرسم القضية الفلسطينية". تعدّ لوحاته وأعماله الفنية وثيقة تاريخية لمكونات الحياة في القرية الفلسطينية، من خلال الأزياء والأمثال والأغاني الشعبية.اضافة اعلان
حصل مسلم الذي أصبح فناناً بالفطرة، ولم يتلقّ الفن في معاهده، على "جائزة محمود درويش للإبداع"، في دورتها الخامسة 2014، وبهذه المناسبة أقامت له دارة الفنون، ضمن اللقاء الثقافي الشهري، أول من أمس، حفل تكريم أداره مستشار دارة الفنون الثقافي، د.فيصل درّاج، واشتمل الحفل على عرض فيلم استعرض حياة مسلم ورحلته مع الفن على مدار أكثر من 40 عاما.
خرج مسلم، المولود في العام 1933 من قرية الدوايمة، قضاء مدينة الخليل بفلسطين، بعد نكبة "1948"، وهو لم يكمل الخامسة عشرة. واشتغل بمهن عديدة، ولم يفكر يوما بأن يكون فنانا، بل كان يحلم بأن يصبح مقاتلا، فتعرضه لمسلسل من الفواجع والمنافي جعله يفرغ كل ذلك في الطين أوّلا، ومن بعدها في عجينة الغراء والخشب، على شكل منحوتات غائرة ونافرة.
تحدث مسلم في الحفل عن مسيرته في الفن، مشيرا إلى أنه عمل بالجيش الأردني بضع سنوات، قبل أن يستقيل ويلتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية التي أرسلته وأهله إلى ليبيا، مبينا أنه في هذه المرحلة ازدادت في الصحراء وحشته واغترابه، ليكتشف مجالاً مختلفاً للمقاومة، من خلال أعمال فنية جميلة وجادة.
أعمال مسلم من النحت البارز والغائر "ريليف"، حيث اكتشف خامته من "الغراء والنشارة الخشبية"، فمزجها بنسب معينة وعالجها بأدوات نحتية بسيطة، وراح فيما بعد يشكل بها الأجساد والأشياء، وأنجز خلال أشهر مجموعة من الأعمال التي جمع في تقنيتها اللوحة والمنحوتة، وشارك بها في معرض طرابلس الدولي للفن التشكيلي" في العام 1971. ومنذ هذا التاريخ بدأ مشواره الفني الطويل.
قال مسلم الذي استعان بتقنيته الفنيّة الفريدة باستعمال "نشارة الخشب والغراء"، "إن اغلب لوحاتي مستوحاة من الأغنية الشعبية، التي تردد في حفلات فردية، أو في أيام الحصاد، أو في موسم قطف الزيتون، أو أثناء حراثة الأرض، وغيرها"، لافتا إلى أنه شارك بعد مذبحة صبرا وشاتيلا مع ثلاثة وثلاثين فناناً يابانياً في معرض أقيم بمدينة طوكيو يتحدث عن المذبحة التي حصلت في العام 1982.
وبين مسلم أنه يمزج في أعماله بين النص المغنى المكتوب، وبين التكوينات النحتية، ومشاهد وخبرات تستند للعادات والتقاليد والتاريخ والمستقبل، مشددا على أن أعماله تعد مكتبة متكاملة من تاريخ فلسطين التقلدية والشعبية قبل 1948، وتاريخها النضالي والمقاوم بعد 1948.
وأوضح مسلم أنه اعتمد في لوحاته على فطرته البسيطة، وحسه الصادق، لذا فإن أعماله سهلة التلقي، يتذوقها المثقف والإنسان البسيط، ولا تحتاج إلى تكلف في التأويل أو التفسير، وهي غنية في مدلولاتها وإيحاءاتها. كما أن المرأة لا تغيب عن أعمال مسلم، فهي "الأسطورة والحبيبة، والمناضلة، والأم والأرض والوطن، وهي الحركة والاندفاع والصمود، والرجوع والعتاب والجمال".
من جانبه استعرض أحمد الزعتري، مسيرة مسلم، لافتا إلى أن مسلم اتبع قدره عندما بعثته منظمة التحرير الفلسطينية للعمل في سلاح الجو الليبي. بدأ يستغل وقت فراغه في صناعة تماثيل للفدائيين من الخشب، حتى وقع على غلاف مجلة "فلسطين الثورة" التي كانت تصور عجوزا فلسطينية، تحت عنوان "لن نغفر"، فنزع مسلم الغلاف ووضع على ملامح العجوز عجينة من النشارة والغراء التي تعلم صنعها من جاره النجار. وقد أُعجب مسلم بالنتيجة وأصبح يقضي وقتا أكبر في ممارسة هذا الفن، في عزلته.
وأضاف الزعتري "عاش الفنان مسلم عصرا ذهبيا، بعد أن غادر بيروت إلى دمشق، حيث أسس مع الفنانين مصطفى الحلاج وغازي أنعيم "صالة ناجي العلي للفنون التشكيلية"، مشيرا إلى أن مسلم، بعد أن وقف على أعتاب الثمانينات، بدأ يرسم أشكالا مختلفة لوالدته، ليقترب بعفوية، من المنطقة التي تختفي بها ملامح أي امرأة أخرى، أو أي بلد آخر، المنطقة التي تلتبس هُويتها بين أمٍّ وبلد".

 [email protected]
azezaali@