دار "لازيزا": شاهد من أهلها على زهو الحضارة العربية الإسلامية في أوروبا

 

روما - دار( لازيرا) أو دار العزيزة في قلب مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية الايطالية منذ القرن الثاني عشر شاهد واقرار أوروبي على الزهو والتقدم الذي بلغته الحضارة العربية الاسلامية في أوروبا التي كانت تغط في مجاهل التخلف والتعصب في هذه العصور.

اضافة اعلان

وقالت الاستاذة في اكاديمية الفنون الجميلة بروما البروفيسورة تشينتسيا نارديني ان اسم

(لا زيزا) الذي أطلقه الملوك النورمانيون على القصر المنيف الذي شيده غوليلمو الأول وابنه غوليلمو الثاني مشتق من الاسم العربي(العزيزة).

وأوضحت الباحثة الايطالية أن النورمان الذين انتزعوا جزيرة صقلية بعد قرون من العرب المسلمين كانوا شديدي الاعجاب والانبهار بثقافة وحضارة العرب التي ازدهرت بعلومها وفنونها في جنوب أوروبا من الأندلس الى صقلية.

واحتفظ ملوك دولة النورمان الجديدة بمدينة باليرمو عاصمة لمملكتهم بعد ان كانت مقرا للأمير العربي ومركزا مهما ومؤثرا للاشعاع الحضاري كما حرص هؤلاء الملوك على تشييد قصورهم على نمط قصور الأمراء العرب الذين حكموا صقلية لقرون متتالية من الزمن بل أنهم التزموا بمحاكاة أسلافهم العرب في تنظيم بلاطهم واستتخدموا في ذلك الأساليب والأزياء نفسها.

وقالت "لقد ورث النورمان الكاثوليك بعد غزوهم صقلية كذلك سياسة العرب المسلمين المتسامحة تجاه طوائف الجزيرة المختلفة ما أنتج ثقافة فنية فريدة تختلط فيها بتناغم مثير عناصر الفنون العربية والبيزنطية والغربية وهو ما تشهد عليه سلسلة من المنشآت العامة التي تندرج جميعها في اطار الثقافة العربية الاسلامية" التي أشارت الى أن دار العزيزة أحد أبرز هذه الشواهد.

ورأت البروفيسورة نارديني في آثار نقش بالخط العربي النسخ على مدخل الدار امتدادا للتقاليد المعمارية والعربية التي كانت تطلق الأسماء على مبانيها المهمة.

ونوهت الى ان استخدام اسم "العزيزة" بمدلولاته العربية التي تعبر عن الزهو والفخار كان تعبيرا عن الصورة المراد أن يبدو عليها هذا القصر المنيف الذي بدئ العمل في تشييده في العام 1160 ميلاديا تحت حكم الملك غوليلمو الأول المعروف بي "الشرير" حيث استمر بناؤه حتى العام 1189 تحت حكم غوليلمو الثاني مؤسس مملكة النورمان في صقلية.

وأقيمت دار العزيزة في ذلك الزمن على أطراف باليرمو كمقر للاقامة الصيفية للملك لأغراض الاستجمام والترفيه وقد شيدت كباقي القصور في هذه الحقبة "على الطريقة العربية" بأيدي كبار الحرفيين البارعين المنحدرين من الدولة الاسلامية السابقة الذين استلهموا أعمالهم من نماذج المباني والقصور في شمال أفريقيا العربية وفي مصر فيما اعتبرته الأكاديمية الايطالية دليلا على عدم انقطاع العلاقة الوثيقة بين صقلية النورمانية مع عالم الثقافة الاسلامية في حوض المتوسط".

وشيدت العزيزة على شكل مضلع مستطيل القاعدة يقوم على ثلاثة طوابق يحيط ببهوه الأوسط جناحان للمبيت والاقامة متطابقان في الشكل والتكوين وعلى جانب كل منهما الخارجي برج تزين جدرانه أقواس مسمطة وتعلو جدران القصر العرائس الحجرية التي تميز العمارة الاسلامية.

وتتوسط الدار قاعة مربعة الأبعاد يميزها سقف رائع الجمال تزينه رسوم بالفسيفساء تصور مشاهد من القنص وحيوانات برية وتتوسطها فسقية بنافورة تنتج تشكيلات مائية بديعة.

وتضم الأدوار العليا من الدار أجنحة منفصلة مرفقا بكل منها دورات للمياه والاستحمام وتزين كبواتها تشكيلات جميلة من المقرنصات الاسلامية التي بقي بعضها بحالته شاهدا على بداعة فنون ومهارة صنعتها الفائقة.

ولفتت الى أن من المثير في تلك الدار التي شيدت قبل ثمانية قرون انها مزودة بنظام دقيق ومحكم من الفتحات ومواسير التهوية التي تتصل بالبرجين الجانبيين بحيث تؤمن للدار عبر دوران الهواء مناخا لطيفا وخاصة في أيام الصيف القائظة وفق تقنيات العمارة الاسلامية الفائقة كما لاحظت أن البهو الأوسط في الطابق العلوي لم يكن مسقوفا اتساقا مع هذا النمط المعماري الفذ.

وأقيمت العزيزة داخل حدائق الصيد الملكية المسماة "جينوارد" والمشتقة من العبارة العربية "جنة الأرض" التي كانت تمتد غرب مدينة باليرمو وتطل عليها مبان ملكية محاطة بحدائق غناء ببرك وفسقيات للماء والأسماك الملونة.

وتقول نارديني ان الروايات والأساطير أحاطت العزيزة عبر القرون وتتحدث عن "سحر" مسجون بالدار مرتبط بكنز من النقود الذهبية.

وتروي الأسطورة أن "العفاريت تقوم على حراسة هذا الكنز الذي خلفه امبراطور في العصور الغابرة اذ تلاحظ نارديني كيف ان رسوما على جدران العزيزة تصور هذه العفاريت التي يقول أهل باليرمو انها تحرك ذيولها وتكشر عن أنيابها في عيد البشارة يوم 25 مارس من كل عام و"أنها لا تسمح لأحد باحصاء عددها ولا حتى عد نقود الكنز الذي لم يفلح أحد في الوصول اليه".

ويؤكد أهل باليرمو عبر القرون بأنه "في يوم ما قد يأتي من يحل اللغز ويكسر السحر .. وعندها سينقشع الفقر عن باليرمو".

ومن الطرائف المرتبطة بهذه الأسطورة أنه عندما يختلف الناس في التعرف على شيء ما بدقة فمنهم من يتساءل بلهجة صقلية ظريفة "وما هي أهي عفاريت العزيزة".

وفي الوقت الحالي تستخدم بلدية مدينة باليرمو دار عزيزة التي تعد من أهم معالمها التاريخية بعد ترميمها وتجميل حديقتها والساحة المحيطة كمتحف تعرض فيه بعض المصنوعات والمشغولات الاسلامية من بلدان حوض المتوسط فيما تدرس حكومة اقليم صقلية تحويل الدار الى مقر لأكاديمية للفنون في المتوسط.