داعش ماهيتها وطبيعتها

د. أحمد ياسين القرالة

منذ أن ظهرت عصابة داعش الإرهابية وتمددت بهذه السرعة وحتى مقتل زعيمها أبي بكر البغدادي حصل خلاف ونزاع في طبيعتها وماهيتها، حيث ذهب البعض إلى اعتبارها ممثلة للدِّين الإسلامي فأدى بهم ذلك لدعشنة الدِّين الإسلامي ووصم المسلمين بالتطرف والإرهاب، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنها صناعة أجهزة استخبارات عالمية تسعى لضرب العالم الإسلامي وتشويه صورة المسلمين والإساءة لدينهم، خاصة وأن ظهورها جاء بعد الربيع العربي.اضافة اعلان
كلا الرأيين مجانب للصواب وينزع نحو التطرف والحدّية في التعامل مع الظاهرة، وما نراه أنَّ داعش حركة إرهابية لا تمثل الدِّين الإسلامي قطعاً، وليست حجة عليه، ولا يتحمل المسلمون وزر إرهابها وإجرامها، فالأصل في الأديان كلها ومنها الدِّين الإسلامي أنها جاءت لتهذيب الإنسان والارتقاء به وتقويم سلوكه.
وهذا الكلام لا يعني بحال أنَّ داعش صناعة استخباراتية صِرفة، فمن يراجع أدبياتها يجدها تستند إلى خليط من اجتهادات فقهية متطرفة في تفسير النصوص الدينية أدت بها إلى هذه النتائج، ومن ينظر إلى أفرادها وشخوصها بمن فيهم البغدادي يجدهم عرباً ومسلمين وهم بلا شك متدينون يعلمون يقيناً ما يقومون به من أعمال وتصرفات، فهم يعتبرون أنفسهم مجاهدين يدافعون بأفعالهم عن الدِّين الإسلامي ويتنصرون له، فالجهاد والقتال دفاعاً عن الدِّين هو مبررهم الوحيد، والدليل على ذلك أن الملتحقين بداعش ينتمون لدول مختلفة في نظمها السياسية ما بين ديمقراطية ومستبدة، ومختلفة في اقتصادها ما بين غنية وفقيرة، ومختلفة في جغرافيتها ما بين عربية وأجنبية، مما يدل على ما جمعهم ليس الفقر وحده أو الاستبداد والطغيان أو الجهل وغيره، فما جمعهم هو فهمهم المتطرف للجهاد والسعي نحو تحقيق مفهوم الدولة الإسلامية بصورتها البدائية.
وهذا لا يعني أن هذه الحركة الإرهابية لم تستغل دولياً وتوظف بذكاء ودهاء لتحقيق مآرب وتحصيل مصالحَ على حساب غباء اتباعها وسذاجتهم.
وبناء على ذلك فليس من المقبول وصف الدين الإسلامي بالداعشية وربط المتدينين بالتطرف، فهذا يؤدي إلى ردة فعل غريزية تخدم داعش وتبرر تصوراتها وتشرعن مواقفها، كما أنها تؤدي إلى تضليل الرأي العام وتغليف داعش بغلاف سميك يحول بين الناس وبين التمييز بين داعش وغيرها، مما يضعف الوقوف في وجهها والتصدي لها.
داعش حركة إرهابية وأفعالها مجرمة قانوناً ووصف أي شخص أو موقف أو اجتهاد بأنه داعشي يستلزم الإثبات وإلا كان القول به جريمة يعاقب عليها القانون.
وفي الوقت ذاته ليس مقبولاً منا التستر على هذه الحركة الإرهابية والتردد في تصنيفها والبراءة منها، لأننا بذلك نعطي المبرر لمن يعتبرها المولود الشرعي للدِّين الإسلامي، وهذا يقتضي منا تجريدها وأخواتها من سندها الديني وإبطال نسبها الشرعي وهدم بنيانها الفكري، للحيولة دون ظهور نسخ مشابهة لها أو تفريخ أجيال جديدة منها.