"داعش" وأشكاله إلى مزبلة التاريخ

تنظيم "داعش" ليس سوى قمامة أو نفاية، أنتجتها عمليات التاريخ البائسة وأسقطتها علينا. ولم يهتم التعليم والإعلام بكنسها، بل تبنياها وراكماها في العقود التالية لهزيمة حزيران (يونيو) 1967، فكان أن انفجرت على شكل فقاعات مدمرة هنا وهناك؛ مرة باسم "القاعدة"، وأخرى باسم "داعش"، وغيرهما كثير.اضافة اعلان
لقد استولى الإسلامويون على الروضة والمدرسة والجامعة والمسجد والصحيفة والكتاب والإذاعة والتلفزيون في تلك العقود، فـ"دعوشوا"الأطفال في الروضة، والتلاميذ في المدرسة، والطلبة في الجامعة، والناس في الشارع.
صار بعضهم داعشياً باليد، فقتل وذبح وحرق، وصار بعضهم داعشياً باللسان فأفسد الأذهان، أو داعشياً بالقلب ينتظر الفرصة لُيعبّر ويكفِّر.
لقد أيقظ أسلوب "داعش" وأشكاله الدموي المرعب المسلمين من سباتهم في بلدانهم كافة، فكانت ردة الفعل عليه قوية لتفكيك فكره وشبكاته، وحماية عقولهم وحدود أوطانهم. وتلك هي الحسنة الوحيدة لداعش وأشكاله، وإلا بقينا نائمين.
كانت البلدان العربية التي وقعت فيها الانقلابات العسكرية سهلة على التنظيم الإرهابي. أما البلدان العربية التي استعصت على الانقلابات، فقد استعصت على التنظيم، والأردن والمغرب أقوى مثالين على ذلك. فالانقلاب يجعل أي نظام بديل للنظام الأصيل (الديمقراطي نسبياً) مهما تجمّل، غير شرعي في أعمق أعاميق الناس. والدليل عليه أنه بينما يتهم الانقلابيون النظام الأصيل بالفساد لتبرير الانقلاب عليه، فإن نظامهم البديل يفسد أكثر منه، ويتهم من يحاولون الانقلاب عليه بالخيانة!
ولذلك كانت قلوب الناس في البلدان التي وقع فيها الانقلاب أو الانقلابات "مليانة" على النظام البديل، مما جعلها مفتوحة أو مؤاتية لنمو بذور التطرف والتكفير والإرهاب، بينما ظلت البلدان المستقرة بالنظام الأصيل مغلقة أو غير مؤاتية لها، لأن القوى الأمنية والعسكرية والشعبية يقظة ومشغولة بحماية أمن الدولة، ولذلك تنجح في التصدي لخلايا الإرهاب الناشئة واستئصالها أولاً بأول، بينما القوى الأمنية والقوات المسلحة في بلدان الانقلاب مشغولة بحماية الزعيم، وحماية الانقلاب من الانقلاب ومن الشعب.
ربما ظن "داعش" أنّ قيام خليته الإرهابية في إربد بفتح ثغرة في الدرع الأردنية سيفتح جبهة شاملة لخلاياه النائمة في الأردن كله، كما حدث في بلدان الانقلابات المتعطشة للثورة عليها والتخلص منها. لكن لما كانت الأجهزة الأمنية الأردنية قد صفّت مسبقاً، و"على الساكت"، تلك الخلايا، فقد أضحت خلية إربد معزولة وغير قادرة على توسيع الثغرة وإشعال نار الفتنة في البلاد.
عندما تكون القوى الأمنية والعسكرية في مختلف مستوياتها منيعة فكرياً على فكر "داعش" وأشكاله، فإنها تكون منيعة قتالاً على الأرض أيضاً، باستعداد أفرادها كالرائد البطل المرحوم راشد الزيود للتضحية بحياتهم -وهو أغلى ثمن في الدنيا- للتصدي لداعش وأشكاله تنظيماً وفكراً، والتفاف الشعب في وحدة وطنية لافتة حول القيادة والقوى الأمنية والعسكرية التي تحميه من هول جرائم التنظيمات الإرهابية.