داعش واحد أم داعشان أم ثلاثة أم أربعة؟

في تقرير أعده كريستوفر رويتر، في مجلة دير شبيغل الألمانية (في 10/ 8/ 2016)، وترجمه الأستاذ القدير
علاء الدين أبو زينة ("الغد"، 16/ 8/ 2016) ما يستحق الوقوف عنده والتأمل فيه والاستنتاج منه. اضافة اعلان
من ذلك أنه لولا استراتيجية حكومة العراق الطائفية بعد الغزو أو الاحتلال الأميركي، في تصفية السُنّة، وأخصها ما عرف بـ"اجتثاث البعث"، ثم بـ"الحشد الشعبي"، لما تمكن تنظيم "داعش" من الظهور والسيطرة على أجزاء واسعة من العراق وسورية، ولا غنم أحدث الأسلحة والذخائر من الجيش العراقي الذي ولّى الأدبار.
طبعاً، لم تخلق إيران أو حكومات العراق التابعة لها، أو أميركا، معتقدات "داعش" القائمة على الفهم أو التفسير الإرهابي للدين. لقد أنشأته مراجع سنية نأت بنفسها وبأولادها عن المشاركة في الإرهاب، وقصرته على المريدين الذين غسلت عقولهم.
وحسب التقرير أيضاً، فإن السّنة في العراق يعرفون أن وصول "الحشد الشعبي" إليهم معناه الإبادة، مما يضطرهم إلى الاحتماء بداعش، فشر أهون من شر. ولولا ذلك، لما بقي لداعش موطئ قدم في العراق. وبدلاً من أن تتخلى إيران وحكومة العراق عن "الحشد" وتفككه، نراه يتمأسس ويتصرف ضد السُنّة تصرف "داعش" ضد الشيعة.
هكذا يوجد في العراق داعشان: "داعش سنة" و"داعش شيعة". لكن العالم لا يرى جرائم "داعش الشيعة" المرعبة ضد السُنّة، ولا يتحدث عنها كثيراً، وإنما يتحدث عن جرائم "داعش السنة" الذي سيطر على المشهد الإعلامي.
وبالإضافة إلى هذين "الداعشين"، يوجد "داعش" ثالث، لكنه يحظى بدعم التحالف الدولي، وهو القوات الكردية التي تستولي على المزيد من الأراضي العراقية العربية بحجة تطهيرها من "داعش السنة"، فتطهرها من أهلها العرب. كما يوجد "داعش" رابع كردي أيضاً، هو "قوات سورية الديمقراطية" التي أخرجت "داعش" من منبج وقرى آخرى كانت خاضعة له، لكن هذه القوات أخذت بعد ذلك بتطفيش العرب منها.
لم يؤمن السُنّة في الأصل بداعش ولا أحبوا تصرفاته الإجرامية كما يقول تقرير "دير شبيغل". وقد كشفت التطورات عن ذلك؛ فهم بمجرد فقدان سيطرته على إحدى المناطق، لا يعودون بحاجة إلى الاحتفاظ بولائهم للتنظيم. لو كانوا مقتنعين به حقاً لبقي "داعش" مسيطرا. أما السبب في هذا التباين بين الظاهر والباطن عند السُنّة، فهو أن "داعش" لم ينتظر أبداً قبوله في المناطق التي استولى عليها؛ لم يعمل على كسب العقول والقلوب، لأن استراتيجياته تقوم على الغلبة والاجتياح والسحق، فتوسع بسرعة في الجغرافيا، وتقلص في العقول والقلوب كما يفيد التقرير.
أما الدليل الحسي عليه، فعدم تقدم الناس طواعية للتبرع بالدم لجرحى "داعش"، مما جعله يأخذه بالقوة منهم. كما أن اعتقاد السُنّة بهزيمة "داعش" على يد منظمات أخرى غير "الحشد الشعبي" جعل النساء اللواتي تحررن من التنظيم يهرعن إلى الاحتفال بالخلاص منها. ويذكر التقرير أن النساء في المناطق المحررة يحتفلن بحريتهن بشكل خاص وبطرق أكثر راديكالية مما يتوقعه المراقب في محيطهن المحافظ. وفوجئ مصففو ومصففات الشّعر الذين ظلّوا طويلاً بلا عمل، بتدفق النساء والرجال عليهم لتصفيف الشعر، وقص اللحى. كما شوهد الناس يلعبون الورق وطاولة الزهر في الشوارع بطريقة ذات دلالة.
وأخيراً نقول للإخوة الأكراد/ الكرد: إن العرب غير مسؤولين عن تقسيم دياركم وشعبكم بين عدة أقطار، فقد قُسموا قبلكم على يد الدول الاستعمارية إياها التي قسمتهم في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ومن ثم لا يجوز تحميل العرب المسؤولية عن ذلك. ومن جهتي، أتمنى حصول الأكراد على الوحدة والاستقلال في المناطق الإقليمية معاً، وذلك يتطلب منهم حسن التعامل مع إخوانهم العرب في الحي والقرية والمدينة والقطر، ليهضموا هذا التحول.