"داعش" يخسر في أفريقيا... و"القاعدة" يكسب

مقاتلون جهاديون في مالي - (أرشيفية)
مقاتلون جهاديون في مالي - (أرشيفية)

ستيغ يارل هانسن - (فورين بوليسي) 13/12/2016

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استولى مقاتلون من تنظيم "داعش" على البلدة القديمة الميناء، قندلا، في شمالي الصومال، محققين أكبر امتلاك تحققه المجموعة للأرض حى اليوم في ذلك البلد. وفي شريط فيديو دعائي نشر في اليوم التالي -والذي تناولته عشرات تقارير الأخبار الموثوقة- أمكنت مشاهدة رجال مسلحين يسيرون في داخل البلدة ويرفعون رايتهم السوداء المعروفة فوق مبنى عال مطلي باللون الأبيض.
لكنك إذا عن قرب أكثر إلى شريط الفيديو، فإنك ستجد المقاتلين أنفسهم وهم يعبرون أمام عدسة الكاميرا مرة تلو المرة. وكانت تلك محاولة مكشوفة من جانب المجموعة، حتى تبدو أكبر وأكثر قوة مما هي في الحقيقة. وكان من المؤكد بطبيعة الحال أن يتم طرد "داعش" سريعاً وإجبارها على التخلي عن قندلا، والانسحاب إلى الجيب الجبلي حيث ما يزال زعيمها، عبد القادر مؤمن، مختبئاً منذ انشقاقه عن حركة الشباب في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2015.
هذه هي قصة "داعش" في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية. وقد حقق التنظيم عدداً من الانتصارات الرمزية -تعهد بالولاء من حركة "بوكو حرام" في نيجيريا، والحصول على ولاء فصيل واحد على الأقل من مجموعة "المرابطون" المتشددة في مالي، ودعم القليل من المنشقين الهامشيين عن حركة "الشباب" مثل مؤمن- لكن "داعش" فشل في الحلول محل تنظيم القاعدة، صاحب الامتياز الجهادي الأول في القارة. ويعود ذلك في جزء منه إلى أن "داعش" أساء الحكم على الحركات الجهادية التي استهدفها في أفريقيا، وفشل في تقدير قوة صلات هذه الحركات مع تنظيم القاعدة، ودرجة تقدير قادتها لاستقلالهم وحكمهم الذاتي. لكن ذلك حدث أيضاً لأن الحركات التابعة لتنظيم القاعدة ردت بالقتال بقوة ضد التسلل إلى مناطقهم -بينما عرض "داعش" على الحركات التابعة له القليل عندما يتعلق الأمر بالدعم العسكري.
كان التوصع الأولي لتنظيم القاعدة في داخل جنوب الصحراء الأفريقية مثيراً للإعاب في سرعته واتساعه. ولم يكن للقاعدة تواجد يمكن الحديث عنه عشية هجمات 11/9 الإرهابية -فقد تم تفكيك شبكات القاعدة القديمة التي وقفت وراء تفجير السفارتين في كينيا وتنزانيا- ولكن مع حلول العام 2014، العام الذي شهد بدء "داعش" في شق طرق داخلية في أفريقيا، كان لدى القاعدة تابعان تنظيميان قويان، وكان بوسعها التعويل على التعاون مع حفنة من المجموعات الأخرى ذات الفكر المشابه.
كان تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي كان قد وسع عملياته في العام 2014 إلى ما وراء شمال أفريقيا ونقلها إلى داخل السهل الأفريقي، وتنظيم "الشباب" الذي نشط في الكثير من شرق أفريقيا، هما التابعان الرسميان للمجموعة في المنطقة. وضمت الحركات التابعة غير الرسمية لها المجموعة الجهادية المالية، "أنصار الدين"، التي كان لزعيمها سيئ الصيت، إياد آغ غالي، روابط عائلية مع قادة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، التي اندمجت مع حركة تابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي لإنشاء حركة "المرابطون" التي كان زعيمها، مختار بلمختار، في السابق قائداً لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ومن الناحية العملية، كانت لتنظيم القاعدة حركات تابعة في عموم السهل الأفريقي وشرق أفريقيا، والتي نفذت هجمات دموية مشهودة خلال هذه الفترة، بما في ذلك الهجوم في العام 2013 على مصفاة نفط أميناس في الجزائر، الذي أسفر عن مقتل نحو 39 رهينة، بالإضافة إلى الهجوم على السوق المركزي "ويست غيت" في ذلك العام في نيروبي بكينيا، والذي أسفر عن مقتل 67 شخصاً وجرح 175 آخرين على الأقل.
لكن الصعود الفلكي لتنظيم "داعش" وضع هيمنة تنظيم "القاعدة" في أفريقيا موضع الشك. ولأنه تغلب على تنظيم القاعدة في العراق وسورية، بدأ "داعش" في إرسال مبعوثين إلى جنوب الصحراء الأفريقية، في محاولة لسرقة الحركات التابعة للقاعدة. وقد لقيت هذه الجهود المساعدة من الشعبية الكبيرة الجديدة التي تمتع بها "داعش"، والتي جاءت في جزء منها نتيجة للانتصارات الكاسحة التي حققها التنظيم، وفي جزء آخر نتيجة للاعتقاد بأن المجموعة تهتم أكثر بالمدنيين (المدنيين المسلمين فقط) مقارنة مع تنظيم القاعدة. وبحلول ربيع العام 2015، كان "داعش" قد كسب ولاء "بوكو حرام" في نيجيريا، بالإضافة إلى ولاء مجموعة منشقة عن "المرابطون" بقيادة سيئ الصيت الجهادي عدنان أبو وليد الصحراوي. (أصدر بلمختار، الذي احتفظ بالزعامة على جزء من "المرابطون" بياناً متضارباً يشجب أفعال الصحراوي في العام 2015).
بدأ "داعش" أيضاً في خطب ود حركة "الشباب" الصومالية، وأرسل مبعوثين لتشجيع المجموعة المتشددة الصومالية على سحب ولائها للقاعدة، وقام "داعش" حتى بإنتاج أشرطة فيديو دعائية تظهر أعضاء من "بوكو حرام" وهم يتقدمون للانضمام إلى صفوف الشباب. كما بدأ التنظيم أيضاً في استهداف المصدر الرئيسي لتجنيد المجموعة الخارجي: الشتات الصومالي. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، انشق مؤمن، مع ما يتراوح بين 150 و200 من مقاتليه. ثم في نيسان (أبريل)، تعهدت مجموعة أخرى من مقاتلي "الشباب" السابقين، تدعو نفسها "جبهة شرق أفريقيا" بالولاء لـ"الدولة الإسلامية".
لكن القيادة العليا لحركة الشباب قاومت "داعش" في كل منعطف، وشنت سلسلة من الهجمات على الفصائل التي انشقت عنها، واعتقلت وأعدمت متعاطفين مزعومين مع "داعش". ومنيت جبهة شرق أفريقيا المنشقة بخسائر كبيرة على يد "الشباب"، بينما لجأ مؤمن ومجموعته الصغيرة من المنشقين إلى مخبئهم القصي في جبال جلجلة في منطقة بنتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. (يقول غزوهم الأخير لقندلا عن السيطرة الضعيفة للحكومة الإقليمية في البلدة -وقوة الشرطة المحلية الضعيفة والفاسدة وسيئة الصيت- أكثر مما يقول عن قدرتهم على تحدي "الشباب" على الهيمنة المناطقية في الصومال).
ومني "داعش" بتراجعات بتراجعات مماثلة في غرب أفريقيا. وأكد بلمختار، زعيم "المرابطون"، ولاءه للقاعدة بعد هزيمة أجزاء من مجموعة الصحراوي المنشقة التي كانت قد أعلنت عن ولائها لـ"داعش". وفي الأثناء، تحدى زعيم بوكو حرام، أبو بكر شيكاو، "داعش" من خلال المحافظة على السيطرة المحلية في نيجيريا، مع ترجيح المساهمة في قرار المجموعة استبداله. وعندما ادعت صحيفة "داعش"، النبأ، في آب (أغسطس) الماضي أن أبو مصعب البرناوي، ابن مؤسس بوكو حرام، قد عُين قائداً جديداً لفرع "داعش" في غرب أفريقيا، تحدى شيكاو ذلك الإعلان واندلع قتال بين الأطراف. وتخلى شيكاو عن روابطه مع زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي. وبخسارته لشيكاو، يكون "داعش" قد خسر جزءاً ضخماً من "بوكو حرام"، وواحداً من أكثر القادة الحهاديين خبرة -على الرغم من غرابة أطواره.
ما الذي يفسر السجل المخيب لتنظيم "داعش" في أفريقيا؟ ربما قلل قادة التنظيم من تقدير الروابط التاريخية بين العديد من التنظيمات الجهادية الإفريقية وبين تنظيم القاعدة. كما أنهم شعروا بالقلق وترددوا بالتأكيد من دراسة رغبة العديد من القادة الجهاديين الأفارقة في الحصول على حكم ذاتي، وهي مطالب لم تنسجم مع رؤية "الدولة الإسلامية" للسيطرة المركزية من خلال الخليفة. لكن "داعش" فشل أيضاً في دعم مطالباته الخطابية بالولاء مادياً. ومع أنه ساعد "بوكو حرام" في إنتاج أشرطة فيديو دعائية ذات جودة أعلى وقدم بعض الدعم المالي لمقاتليها في جنوبي الصومال، فإن ثمة القليل من الدليل على أن "داعش" أرسل أسلحة أو قوات لتعزيز أي من مؤيديه في جنوب الصحراء الأفريقية. ونتيجة لذلك، عانت المجموعات التي انشقت للانضمام إلى "داعش" في محاولة وضع حد لعلاقات الوضع القائم مع القاعدة -وأفرط العديد منها في تقدير ذاته في العملية.
لقد لعب "داعش" لعبة جريئة لمحاولة تحدي تنظيم القاعدة في أفريقيا، لكنه خرج حتى الآن خالي الوفاض هناك. وفي أفضل الحالات، نجح التنظيم في تقسيم المجموعات المرتبطة بالقاعدة، وترك هذه المجموعات وقد ضعفت بسبب الاقتتال الداخلي والنزاعات الإقليمية. وفي أسوأها، استطاع "داعش" في شرق أفريقيا انتزاع بعض المجموعات الفرعية السطحية ذات القدرة المحدودة. وكان تنظيم القاعدة موجوداً في جنوب الصحراء الأفريقية قبل وقت طويل من نشوء "داعش"، وسوف يظل هناك لوقت طويل بعد أفول "الدولة الإسلامية".

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:The Islamic State Is losing in Africa

اضافة اعلان

[email protected]