"داعش" يهاجم الجمهورية الإسلامية

عناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي - (أرشيفية)
عناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي - (أرشيفية)
هارون ي. زيلين – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 31/10/2022

منذ سنوات، يحيك التنظيم الجهادي بصورة نشطة المؤامرات ضد إيران، على الرغم من أن التصعيد الأخير في التهديدات من فرعه الأفغاني قد ينذر بموجة جديدة من الخلايا والهجمات داخل الجمهورية الإسلامية المضطربة. * * *

في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، شن تنظيم “داعش” هجوماً في إيران للمرة الأولى منذ أيلول (سبتمبر) 2018. وأفادت بعض التقارير أن إطلاق النار الذي وقع في مرقد شاه جراغ في شيراز أسفر عن مقتل خمسة عشر شخصا وإصابة ما لا يقل عن أربعين بجراح. ولاحقا، جاء في بيان التنظيم الذي أعلن به مسؤوليته عن الحادث أن الهدف كان “إعلام الروافض أن للصحابة نسلاً يتوارث الانتقام جيلاً بعد جيل”. وأُعيد التأكيد على هذه الرسالة في اليوم التالي في نشرة “النبأ” الأسبوعية للتنظيم الجهادي السني، والتي تضمنت تهديدات بشن مزيد من الهجمات داخل إيران.

ليست عملية تمويه

بعد أيام قليلة على عملية إطلاق النار، نشر تنظيم “داعش” صورة وشريط فيديو للمهاجم، أبو عائشة العمري، تمّ تصويره قبل الحادثة. وتُظهر الصورة وجهه في حين يبيّن شريط الفيديو بيعته لزعيم التنظيم، مما يقوض النظريات القائلة بأن الهجوم كان عملية تمويه نفّذها النظام الإيراني. وفي 31 تشرين الأول (أكتوبر)، ألقت السلطات القبض على شخص ساعده وزُعم أنه كان يخطط لشن هجوم خاص به في المستقبل. كما جاء إطلاق النار بعد عدة أشهر من التهديدات المنسقة التي صدرت ضدّ إيران أطلقتها “ولاية خراسان”، فرع تنظيم “داعش” الذي يعمل بشكل رئيسي في أفغانستان. وعلى الرغم من أن تنظيم “داعش” قد هاجم بنجاح الجمهورية الإسلامية ثلاث مرات فقط في السنوات الست الماضية (من بينها حادث إطلاق النار الأخير)، إلا أن ذلك لم يكن بسبب عدم المحاولة -فمنذ العام 2016، أعلن النظام الإيراني أنه أحبط إحدى عشرة مؤامرة لتنظيم “داعش”. وعن توقيت الهجوم، تشير بيانات “داعش” إلى أنه لا علاقة له بحركة الاحتجاجات الشعبية في إيران، على الرغم من تزامنه مع ذكرى الأربعين للحداد على مهسا أميني، الشابة التي أشعل مقتلها فتيل الانتفاضة الحالية في البلد. وفي الواقع، من الصعب أن يميل التنظيم إلى دعم حركة وُلدت من الرفض الشديد للقواعد المتعلقة بالزي الديني للمرأة. وبدلاً من ذلك، ركز تبريراته المعلنة للهجوم على الكراهية الطائفية البحتة ضد الشيعة، حيث يعتبرهم أتباعُ تنظيم “داعش” غير مسلمين حقيقيين. وبهذا الشأن، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون لتوقيت الهجوم غرض تكتيكي، أي استغلال عدم الاستقرار المحتمل لنظام رجال الدين الشيعة الحاكم وسط الانتفاضة الجماهيرية.

الهجمات المزعومة السابقة

وقع الهجوم المزعوم الأول لتنظيم “داعش” في إيران في 7 حزيران (يونيو) 2017، عندما نفذت خليتان ضربات متزامنة في طهران. وشملت إحدى الخليتين انتحاريين فجروا أنفسهم بالقرب من ضريح مؤسس النظام روح الله الخميني، ووصف تنظيم “داعش” الهدف بأنه “ضريح وثني”. ووفقاً لوزارة الاستخبارات الإيرانية، حارب الجناة سابقاً لصالح تنظيم “داعش” في العراق وسوريا. تألفت الخلية الثانية من مسلحين فتحوا النار داخل مبنى البرلمان في طهران. وإجمالاً، أسفرت الهجمات المزدوجة عن مقتل اثني عشر شخصاً وجرح ستة وأربعين آخر. ووقع الهجوم الآخر الوحيد الذي أعلنه التنظيم سابقاً في إيران في الأهواز في 22 أيلول (سبتمبر) 2018، عندما أطلق مسلحون النار على عرض عسكري أُقيم لتكريم الجيش، ومليشيا “الباسيج”، و”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني. وقد قُتل في الهجوم خمسة وعشرون شخصاً وجُرح سبعون آخرون.

القتال الداخلي ضد “داعش” في إيران

لعبت إيران دوراً بارزاً في مساعدة الميليشيات الشيعية ونظام الأسد على محاربة عناصر تنظيم “داعش” في العراق وسورية، بالتوازي مع مساعي التحالف الأوسع نطاقاً بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم منذ العام 2014. ومن غير المعروف جيداً ما هي جهود طهران المختلفة لإحباط أنشطة التنظيم على الأراضي الإيرانية: • حزيران (يونيو) 2016: اعتقلت السلطات 10 أفراد من “داعش” بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات في طهران ومدن أخرى، وصادرت ما يقرب من 100 كيلوغرام من المتفجرات المعدّة للاستخدام في تفجيرات السيارات والتفجيرات الانتحارية. وقبل ذلك بشهرين، أشار وزير المخابرات الإيراني، محمود علوي، إلى أن أعضاء التنظيم المتمركزين في “عاصمة” تنظيم “داعش”، الرقة في سورية، كانوا يخططون لشن هجمات داخل الجمهورية الإسلامية. • آب (أغسطس) 2016: قتلت قوات الأمن الإيرانية 3 أفراد من خلية تابعة لتنظيم “داعش” في كرمانشاه. ويُزعم أن أحد هؤلاء العملاء، وهو أبو عائشة الكردي، كان يتولى منصب “أمير” التنظيم في إيران. كما صادرت السلطات مخبأً للأسلحة وأحزمة ناسفة. • شباط (فبراير) 2017: تمّ اعتقال ثمانية أفراد من خلية تابعة لتنظيم “داعش” في طهران بتهمة التخطيط لتخريب مسيرات مقررة للاحتفال بذكرى الثورة الإسلامية التي اندلعت في العام 1979. وتم الاستيلاء على بنادق كلاشينكوف ومعدات أخرى. • حزيران (يونيو) 2017: تم اعتقال 41 شخصاً في محافظات مختلفة عقب الهجمات المذكورة أعلاه على الضريح وعلى البرلمان في طهران. ووفقاً لبعض التقارير صادرت السلطات “الكثير من الوثائق والأسلحة”. • حزيران (يونيو) 2017: تمّ اعتقال ما لا يقل عن خمسين شخصاً في محافظة كرمانشاه لتخطيطهم المزعوم لهجمات ضد مراكز دينية شيعية. ووفقاً للمدعي العام في المحافظة، ضبطت الأجهزة الأمنية أحزمة ناسفة، وأجهزة تفجير إلكترونية، وأسلحة أخرى من المعتقلين. • آب (أغسطس) 2017: اعتقلت وزارة الاستخبارات 27 شخصاً مرتبطين بتنظيم “داعش” مدعيةً أنهم يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية في مدن دينية مختلفة. • أيلول (سبتمبر) 2017: اعتقلت قوات “الحرس الثوري” الإيراني أحد أفراد التنظيم في أنديشة، كان قد خطط لتنفيذ هجوم انتحاري خلال أعياد عاشوراء. ووفقاً لقائد في “الحرس الثوري”، فقد سبق أن قاتل المشتبه به لصالح تنظيم “داعش” في سورية. • كانون الثاني (يناير) 2018: زعم الحرس الثوري الإيراني أنه اعتقل 16 مشتبهاً بهم من تنظيم “داعش” في شمال غرب إيران بعد اشتباكهم مع مجموعة من المقاتلين الذين عبروا الحدود من العراق. ووفقاً لبعض التقارير، قُتل ثلاثة من أعضاء “داعش” في الاشتباك، بينما فر اثنان آخران من المنطقة. • تموز (يوليو) 2018: أعلن الوزير علوي أن قوات الأمن في جنوب غرب إيران ألقت القبض على أربعة أفراد مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “داعش” كانوا يخططون لتنفيذ هجمات. وأشار أيضاً إلى أن رأس الخلية له شقيق لقى حتفه أثناء قتاله معي”داعش” في سورية. • تشرين الأول (أكتوبر) 2018: اعتقلت السلطات أحد أفراد الجيش الإيراني بعد هجوم العرض العسكري المذكور أعلاه في الأهواز. • شباط (فبراير) 2019: أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية أنها ضبطت خليتين لتنظيم “داعش” مكونتين من ثلاثة عشر فرداً بتهمة التآمر لمهاجمة رجال دين سنة في محافظة كردستان الإيرانية. ولا يُعتبر وقوع مزيد من الهجمات أو الاعتراضات الأمنية بعد شباط (فبراير) 2019 مفاجئاً على نحو خاص، لأن تنظيم “داعش” خسر آخر قطعة أرض كان يملكها في الباغوز في سورية في آذار (مارس) من ذلك العام. ولم يعد التنظيم يركز كثيراً على تخصيص موارد لتنفيذ عمليات خارجية حالما برزت الحاجة إلى إحياء تمرده في مناطق رئيسية من العراق وسورية.

التهديدات الأخيرة من الفرع الأفغاني لتنظيم “داعش”

منذ قيامه، كان التنظيم معادياً بشدة للشيعة ولإيران. على سبيل المثال، كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى انفصاله عن تنظيم “القاعدة” في العام 2013 هو تحفُظ الأخير على مهاجمة إيران (لأن بعض قادة “القاعدة” كانوا متمركزين هناك، وفقاً لبعض التقارير). وقد واصل تنظيم “ولاية خراسان”، أحد فروع “داعش”، هذا التقليد داخل أفغانستان منذ تأسيسه في العام 2015، حيث استهدف مجتمع الهزارة الشيعي في البلاد على نحو متكرر. ويميل التنظيم إلى اعتبار الهزارة امتداداً لإيران، لأن العديد من أفراد هذا المجتمع هم لاجئون تنحدر أصولهم من أفغانستان، والذين جندتهم طهران للانضمام إلى “لواء فاطميون”، وهو لواء شيعي مدعوم من إيران كان قد حارب تنظيم “داعش” في سورية. وقد حاولت حركة “طالبان” طمأنة مجتمع الهزارة منذ توليها السلطة في أفغانستان العام الماضي، مما دفع تنظيم “داعش” إلى اتهام الحكومة الجديدة بأنها “حامية الشرك”. وبالمثل، كانت مساعي كابول لإعادة إحياء العلاقات مع إيران والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً موضوع نقاش لكل من نواة تنظيم “داعش” و”ولاية خراسان”، حيث وصفت نشرة “النبأ” الإخبارية بسخرية حركة “طالبان” بـ”إمارة السفارات” في أيلول (سبتمبر). بالإضافة إلى ذلك، كان الفرع الأفغاني أكثر نشاطاً في تهديد إيران وغيرها من دول المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية منذ تأسيس وسيلته الإعلامية الخاصة، “العزايم”. ففي حزيران (يونيو) على سبيل المثال، حذر العدد الثامن من مجلة “صوت خراسان” أنه “قريباً ستتمّ إراقة دماء المجوس (مصطلح مهين للزرادشتيين) الإيرانيين في شوارعهم”. وبالمثل، شدّد العدد الصادر في 17 تشرين الأول (أكتوبر) على مدى انتشار خطط إيران الرامية إلى دعم مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة -البعثيين في سورية، و “حماس” في فلسطين، وطالبان في أفغانستان- بـ”مظاهر الكفر السافر”. وفي الوقت نفسه، تعمل وسائل الإعلام المركزية لتنظيم “داعش” بشكل متزايد على ترجمة المحتوى العربي إلى الفارسية وفتح حسابات فارسية إضافية عبر الإنترنت لنشر أيديولوجية التنظيم وآرائه حول الأحداث الجارية. وقد ازدادت هذه الحسابات بشكل مفرط منذ هجوم 26 تشرين الأول (أكتوبر). خيارات السياسة المحدودة بالنظر إلى أن إيران هي أحد أكبر خصوم أميركا، فإن لدى واشنطن خيارات قليلة لمعالجة الأمور المذكورة بخلاف الاستمرار في إدانة هجمات “داعش” بغض النظر عن مكان حدوثها. وفي الوقت نفسه، على المسؤولين الأميركيين تحذير طهران من استخدام هجوم شيراز كذريعة لمواصلة تشويه أو قمع الحركة الاحتجاجية الشرعية التي تشهدها البلاد، والتي لا علاقة لها بأنشطة تنظيم “داعش” أو أيديولوجيته. ومن المؤكد أنه حتى هذا الخيار المحدود سيكون رمزياً إلى حد كبير، حيث من غير المرجح أن تستمع طهران إلى أي شيء تقوله واشنطن حول الاضطرابات الداخلية في الجمهورية الإسلامية، كما أن الكثيرين في الشوارع لن يرضوا بأي نتيجة لا تنطوي على إسقاط النظام. وفي الحالتين، ينظر تنظيم “داعش” إلى كل من المحتجين والنظام على أنهم مرتدون. *هارون ي. زيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حيث يتركز بحثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسوريا، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإكترونية عبر الإنترنت. وهو مؤسس موقع الأيدلوجية الجهادية Jihadology.net.  اقرأ أيضا في ترجماتاضافة اعلان