دبلوماسية "تسويد" وجه العالم

في مقابل تصعيد الخيارات الاميركية في تحريك ملف التسوية في الشرق الأوسط تواصل الحكومة الإسرائيلية اختراع مصادر إعاقة التقدم نحو بداية الطريق بطريقة سمجة تستحق ان تسمى (دبلوماسية تسويد وجه العالم) وآخر فصولها عمليات الترحيل المنتظرة التي باتت تلوح بها بعدما تجاوزت ملف مواصلة الاستيطان.

اضافة اعلان

لم تشهد السياسة الدولية نموذجا لضعف قدرة المجتمع الدولي، رغم توفر الإرادة لديه كما يحدث هذه الأيام، في درء المواقف المتطرفة الإسرائيلية الجديدة، وليست مجرد القواعد المؤسسة للتطرف التي أوجدت هذا الكيان.

النخب الاميركية في البيت الأبيض والخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي منقسمة اليوم حول الخيارات المفلسة مع التطرف الصهيوني بين دفع الرئيس الأميركي إلى وضع خطته للتسوية على الطاولة، التي قد لا يقبلها الطرفان، وبين دفع الطرفين إلى مفاوضات مباشرة قد تصل إلى طريق مسدود كالعادة، وبين ممارسة المزيد من الضغط الذي جرب في ملف المستوطنات من دون فائدة، أو الخيار الأخير الذي يتبناه بعض أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي، وعلى رأسهم دينس روس، بالتعامل بالمزيد من الدلال والرفق مع الاسرائيليين وليسوّد وجه العالم إلى الأبد ما دامت كل النتائج تذهب إلى اللا جدوى.

لم يتبق أمام الفلسطينيين إلا الخيار الأسهل والأكثر عمقا، والأكثر إهمالا أيضا، الذي ما يزال مهملا منذ البدايات الأولى للقضية، الخيار الديمقراطي رغم مما يثار باسمه من ضجيج، حيث أكثر ما تحتاجه الحالة الفلسطينية في هذا الوقت الذي تعاني فيه الأمّرين من الإفلاس السياسي والاستراتيجي هو صدمة ديمقراطية تصدم المجتمع الفلسطيني والعالم معا.

كما تشكل أرحام الفلسطينيات وما تعنيه المعادلة الديمغرافية على الأرض مصدر التهديد الحقيقي الأول لإسرائيل، فإن إرادة الفلسطينيين نحو الديمقراطية هي مصدر التهديد الحقيقي الآخر في اللعبة السياسية والاستراتيجية، وهي لا تقل أهمية عن نمو السكاني الفلسطيني وحتى عن معادلة القوة الصلبة نفسها.

ثمة فرص هائلة أُهدرت في إعادة صياغة قناعة العالم حول الصراع، فإسرائيل التي تهز العالم اليوم إذا ما وصفها أحدهم بالعنصرية، كان العالم قد وصمها بهذه الصفة بقرار الأمم المتحدة الذي عَد الصهيونية حركة عنصرية عام 1976، وراحت الدول العربية في مطلع التسعينيات للوقوف إلى جانب قرار تطهير إسرائيل والصهيونية من هذه الوصمة.

الصدمة الديمقراطية التي يحتاجها العالم من الفلسطينيين، هي صدمة لأنها استعادة للأصول السياسية التي كان يجب ان يبنى عليها مشروع التحرير الوطني، وهي صدمة لأن العالم كلّ وملّ وهو يبحث عن الفلسطينيين، وصدق قصة الشريك المفقود التي باعتها إسرائيل على العالم، وهي صدمة لان الديمقراطية هي السلاح الأمضى الذي أجاده الإسرائيليون وربما شكل أكثر مصادر قوة إسرائيل.

المجتمع الدولي الذي يتباكى على الديمقراطية في العالم العربي لا يريدها في فلسطين، فما تأتي به الصناديق لا يخدم مصالح الأطراف الفاعلة في إدارة الصراع، وكما ان هذه الحجج قد تبدو صحيحة من بعض الزوايا، فإنها أصبحت جزءا من ثقافة تبريرية تبرر العجز وتتستر على الطريقة التي تتحول فيها التنظيمات والسلطة نفسها إلى جزء من إعاقة نمو الديمقراطية، فالعالم هو الذي يتحمل مسؤولية النتيجة الصفرية التي قادت إسرائيل الجميع نحوها، والعالم لن يكتشف مدى اسوداد وجهه إلا إذا استطاع الفلسطينيون ان يبنوا مشروع التحريرعلى الديمقراطية الصادمة.