درس لنتنياهو من مؤرخ حقيقي للمحرقة النازية

زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلر - (أرشيفية)
زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلر - (أرشيفية)

كريستوفر آر. براونينغ -  (فورين بوليسي) 22/10/2015

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في العقود الأخيرة، ازداد الوعي العام بقصة المحرقة النازية (الهولوكوست) بطريقة استثنائية. وكان أحد النتاجات العرَضية المصاحبة لهذا التطور، الذي كان ليصبح مفيداً بغير ذلك، هو الإغراء المتزايد الذي يغوي الساسة باستغلال الإحالات إلى هتلر والنازية والمحرقة لوصم خصومهم. ويقول الاستغلال السياسي لحادثة المحرقة الكثير عن الناس الذين يمارسونه وعن أجنداتهم، لكنه يقول القليل فقط عن الواقع التاريخي والحقيقة.
في حالة أخيرة، زعم جراح الدماغ الذي تحول إلى مرشح رئاسي جمهوري، بين كارسون، أنه لولا قانون السلاح النازي الذي صدر في العام 1938، لاستطاع اليهود الألمان أن يمارسوا مقاومة كبيرة للهولوكوست. وقد تجاهل هذا الزعم الحقيقة البسيطة القائلة إن الجيوش البولندية والفرنسية جيدة التسليح لم تتمكن من مقاومة قوة النيران الألمانية. لكن من السخف علاوة على ذلك الاعتقاد بأن بضعة مسدسات وبنادق صيد إضافية في أيدي اليهود الألمان -الذين كانوا في ذلك الحين شريحة سكانية غالبيتها من المسنين والنساء- كانت ستعمل على تغيير مصيرهم.
وفي وقت أقرب، هو الأسبوع الماضي، بذل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاولة تنطوي على قدر أكثر من الكذب المفضوح والصارخ لاستغلال المحرقة سياسياً. ففي كلمة له أمام المؤتمر الصهيونية العالمي، زعم نتنياهو أنه في وقت اجتماع هتلر بمفتي القدس الأكبر، الحاج أمين الحسيني، في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 1941، كان هتلر ما يزال يفضل طرد اليهود، بينما عارض الحسيني ذلك لأن اليهود المطرودين سوف يأتون إلى فلسطين. وبدلاً من ذلك، وفقاً لنسخة نتنياهو من التاريخ، حث المفتي هتلر على أن "حرقهم"، بحيث يكون المفتي بذلك هو المحرض الرئيسي على تنفيذ "الحل النهائي". ولا تعدو رواية نتنياهو عن هذا الاجتماع كونها محض تلفيق تاريخية، أو ببساطة أكبر: كذبة.
كان هتلر قد اختار القتل الكلي والمنهجي لليهود في المناطق السوفياتية في أواسط تموز (يوليو) من العام 1941، وشرعت وحدات القتل الألمانية على الجبهة الشرقية في استهداف كامل السكان اليهود -بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ- منذ أواخر تموز (يوليو) وأوائل آب (أغسطس). وقد حدثت المذبحة التي استمرت يومين لحوالي 33.000 من اليهود في "بابي يار" خارج كييف في أواخر أيلول (سبتمبر). ووافق هتلر على توسيع برنامج القتل الجماعي لليهود ليمتد إلى الغرب من مناطق الاتحاد السوفياتي في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، وكان اثنان من معسكرات الموت التي استخدمت الغاز السام قيد الإنشاء في بيلزيتش وتشيلمنو بحلول أوائل تشرين الثاني (نوفمبر). وعندما التقى هتلر بالحسيني، كان التحول المشؤوم في السياسة النازية  تجاه اليهود من الطرد والإهلاك إلى القتل الجماعي والمنهجي قد حدث مسبقاً.
وثمة الكثير من الأدلة الإضافية التي تناقض رواية نتنياهو أيضاً. فقد سجل مترجم هتلر، باول شميدت، ذلك الاجتماع مع المفتي، وكانت مذكرته حول ذلك الاجتماع متوفرة منذ وقت طويل في الطبعة الرسمية لوثائق السياسة الخارجية الألمانية. ووفقاً لشميدت، فإنه كان هتلر هو الذي قال للمفتي أنها لم تكن لديه مطامع إقليمية في الشرق الأوسط. وسوف يأتي الألمان إلى هناك كمحررين: "سيكون دور ألمانيا فقط هو تدمير العنصر اليهودي الموجود في المنطقة العربية الواقعة تحت حماية القوة البريطانية". ولم يقل هتلر للحسيني، بطريقته المخادعة والماكرة، أنه ترك للزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني شأن التصرف النهائي في الأراضي التي يسكنها العرب في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وكما فعل هتلر مع الأوكرانيين والليتوانيين واللاتفيين وآخرين، بدا وأنه يلعب على التفكير المتمني للمفتي الأكبر، محاولاً خلق الانطباع لديه بأنه إذا ساعد العرب في قتل اليهود، فإن ذلك سوف يسهل أمر استقلالهم الوطني الخاص. وبذلك، لم يكن الحسيني هو المحرض على "الحل النهائي"، وإنما كان بدلاً من ذلك هدفاً لطرق هتلر في التلاعب والاستغلال.
تجيء كذبة نتنياهو الأخيرة هذه كجزء من حملة دؤوبة لتصوير مفتي القدس على أنه المتسبب الرئيسي في المحرقة النازية والمحرض عليها. وذلك غير صحيح. فخلال الثلاثينيات، تجاهل الألمان المفتي تماماً، بينما كانوا يعطون الأولوية لهجرة اليهود الألمان إلى فلسطين على اعتراضات الحسيني أو مخاوفه بشأن فلسطين. وخلال الحرب، كان الفتي متعاوناً مفيداً، وإنما هامشياً، في نشر الدعاية النازية في العالم العربي. ثم في وقت متأخر من الحرب، عندما لم تعد له أي فائدة تذكر، أراد البعض في النظام النازي قطع المساعدات التي كان الوفد المرافق للحسيني في برلين يتلقاها منذ سنوات. وقد ردعهم عن ذلك خبير في مكتب الخارجية في برلين، والذي أشار بأن تجاهل الألمان العلني لحليفهم العربي سوف يكون مؤشراً على الانهزامية، عن طريق الاعتراف بأن ألمانيا قد تخلت عن أي أمل لها في التأثير في شؤون الشرق الأوسط.
كانت هناك عدة آلاف من مرتكبي المحرقة، والذين كانوا أكثر أهمية -تاريخياً- من مفتي القدس الأكبر، لكنهم لا يشكلون بالنسبة لنتنياهو أي أهمية سياسية تُذكر -وهو ما يعني القول إنهم لم يكونوا فلسطينيين. وتشكل مبالغته غير العادية في تضخيم تواطؤ الحسيني، وبالتالي الشعب الفلسطيني كله، محاولة مفضوحة لوصم الفلسطينيين ونزع الشرعية عن أي تعاطف أو اهتمام بحقوقهم أو بإقامة دولة لهم. كما تشكل كلمة نتنياهو المشينة وغير اللائقة إساءة إلى أي شخص -يهودياً كان أم غير ذلك- ممن يعني له البحث في المحرقة وحفظ حقيقتها التاريخية أي قيمة أو معنى أو هدف.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Lesson for Netanyahu From a Real Holocaust Historian

اضافة اعلان

[email protected]

@alaeddin1963