درس يؤسس لتصويب المسار الاقتصادي

في اللقاءات التي جمعت وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، ونقيب المعلمين وعددا من أعضاء مجلس النقابة، برعاية نيابية، ثمة الكثير مما يجب تعلمه من هذه التجربة الثرية بالحوار، حتى إن كانت تحت وقع الاحتجاجات والإضرابات.اضافة اعلان
إذ أمضى المجتمعون ساعات طويلة، امتدت من العاشرة ليلا يوم الأربعاء الماضي إلى الثالثة من فجر الخميس، وتم استئناف الحوار في الثانية عشرة ظهراً من الخميس، واستمر لما بعد عصر ذاك اليوم. وسبقت ذلك لقاءات في البرلمان الأسبوع الماضي لساعات طويلة أيضا، تحدث فيها الجميع بكل صراحة وشفافية.
ما يعنينا مما سبق ليس الشكل، وإنما مضمون الحوار ومحاولات بناء جسور للثقة يمكن البناء عليها. ففي تقديري، لا يمكن النظر الى الوزارة والنقابة بوصفهما طرفين أو خصمين؛ فالوزارة معنية بتصويب الأوضاع المعيشية للمعلمين ضمن مسؤولية مباشرة، وكذلك النقابة. وثمة دور أساسي في هذا الشأن لمجلس التشريع والرقابة "النواب".
وإذا اعتبرنا أن الوزير الذنيبات يقود ثورة بيضاء في مجال التعليم، فإن مجلس نقابة المعلمين معني بتصحيح المسارات التي يسير عليها أكثر من 115 ألف معلم ومعلمة في قطاع التدريس الحكومي، وهم الذين لم يحصلوا بعد على حقوقهم المهنية والمالية بالشكل المناسب.
وفي الأثناء، لا تبدو المبادرات النيابية الفردية كافية لحل الأزمات، بل يقع على عاتق رجال التشريع والرقابة التأسيس لتشريعات تحمي المعلمين وتمنحهم حقوقهم، وتقوي من التعليم في البلاد، وهو ثروتنا الحقيقية التي جلبت السمعة الكبيرة عربيا وإقليميا للأردن. وكان أبطال هذه السمعة معلمين أخلصوا للمهنة في يوم ما، فكان لهم ولنا هذا الحصاد العظيم.
كلمات الذنيبات والمشة بعد هذه اللقاءات الطويلة، جاءت بدلالات عميقة يجب التوقف عندها مطولا. إذ صحيح أن أزمة الإضراب كانت مريرة، وشكلت تهديدا صعبا لأكثر من مليون طالب وطالبة من أبنائنا، إلا أنها تجربة كشفت حجم الحاجة إلى التكامل بين جهود الجميع لإنقاذ التعليم ورجاله مما تراكم في السنوات الماضية، وهو ما اعترف به المجتمعون كافة. وعلينا الاعتراف أيضا أن لغة التشاور والتباحث والتنسيق هي المطلوبة، لا التجييش والتحريض والتشكيك بالآخر. فنحن هنا نتحدث عن حلول توفيقية، مستندة إلى المصلحة الوطنية بوصفها مرجعية، ولا نتحدث عن كسر عظم بين المجتمع والمعلمين أو بين الحكومة والمعلمين، بكل ما في هذه المعارك من تخوين وتشكيك.
الذنيبات والمشة وبعض النواب الذين يدركون ضرورات إصلاح التعليم، هم وحدهم، لا أصحاب الرؤوس الحامية، من يستطيعون أن يقدموا لنا الأفضل.
بما أن الكل يؤكد بأن مطالب المعلمين عادلة ومشروعة، فلنتحرك باتجاه تحقيقها من دون إبطاء، وعلى نحو متدرج من دون تأزيم؛ فهكذا تحل المعضلات الاقتصادية، لا بأدوات التحريض التي لا تترك في النفس إلا السلبية من لغة عقيمة ولت وزمان مضى خلفنا.