دروس وعبر من تحذير البنك الدولي حول تفاقم أسعار الغذاء

سورية تطهو ما تيسر لها من معونات في منطقة عزاز قضاء مدينة حلب - (رويتز)
سورية تطهو ما تيسر لها من معونات في منطقة عزاز قضاء مدينة حلب - (رويتز)

مثقال عيسى مقطش

عمان - تلزمنا وقفة طويلة، وبتمعن، أمام ما قاله رئيس البنك الدولي بأن دولا في الشرق الأوسط وأفريقيا هي الأكثر عرضة للتأثر بموجة الغلاء العالمية، والتي سجلت ارتفاعا بلغ 10 % خلال الشهر الماضي. وواقع الحال أن دول الشرق الأوسط، ومن ضمنها الأردن، تعاني من شح الموارد ومعدلات الفقر العالية، ولا يتناسب متوسط دخل الفرد فيها مع الحد الأدنى لمتطلبات الحياة اليومية.اضافة اعلان
إذن، ما العمل؟ هل تقف حكومات وشعوب هذه الدول وقفة المتفرج؟ وهل تبقّى أمامها فرصة للخروج من عنق الزجاجة، بعد أن اجتاحتها موجات الترهل وسوء التخطيط وعدم السعي إلى بلوغ الحد الأدنى من معايير الاكتفاء الذاتي؟!
خطيئة البنك الدولي لا تتوازى مع الخطيئة التي ارتكبها صناع القرار المعنيون بالزراعة والإدارة المالية في الدول النامية؛ هذا ما قاله كبير ممثلي البنك خلال اللقاء الحواري الذي انعقد في المغرب، ونظمه الاتحاد الدولي للمنتجين الزراعيين حول تقرير التنمية العالمية لعام 2008.
مأساة لا يمكن غفرانها بحق اقتصادات الدول النامية، والأردن واحد منها. إذ أمضينا عقوداً ونحن نعمل بإرشادات البنك الدولي، حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه؛ نستورد القمح لنأكل الخبز، ونستورد اللحم من أقاصي الدنيا كي نطعم أبناءنا!
إنها سخرية القدر! بما يؤكد ما قاله فلاسفة الاقتصاد الذين التقوا حول محورية مفادها: إن الدول النامية لديها قدرة أقل لاتباع مسيرة التنمية الخاصة بها، لأن المنظمات الدولية هي التي تضع القواعد وتطبقها بشكل متزايد، والتي من شأنها تقييد الخيارات المتاحة لهذه الدول!
وسبق أن تناولت وسائل الإعلام ما انتهى إليه خبراء في البنك الدولي بالقول: إن المسؤولين الأردنيين هم السبب في معاناة القطاع الزراعي، وهو المصدر الرئيس للغذاء، لالتزامهم بتوصيات وشروط البنك! فماذا تبقى لنا؟! هل نلطم أنفسنا ونندم لأن القطار فاتنا؟! وهل لدينا قدرة على تصحيح الوضع والعودة إلى ميزتنا النسبية، وهي الزراعة؟
كفانا اتكالية، إذ يجب أن نعتمد على ذاتنا. والسؤال المطروح: هل نستعد للانطلاق من جديد؟ وهل تعطى منظمات المجتمع المحلي صلاحيات كاملة لوضع منظومة شمولية، نعود من خلالها إلى الأرض، ونصبح كما كنا قبل عشرين سنة ونيف، نأكل مما نزرع؟  وهل نتعلم دروسا ونستفيد العبر مما قاله الخبير "كوسيتا" في البنك الدولي: إن أكثر البلدان تعرضا للمعاناة هي تلك الأكثر اعتمادا على الواردات من الحبوب الغذائية الضرورية للاستهلاك، وهي تلك البلدان التي تنفق فيها الكثير من الأسر، خاصة الفقراء، جانبا كبيرا من ميزانيتها على الغذاء؟ أليس هذا هو حالنا في الأردن؟
وقبل ثلاثة أعوام، انعقدت قمة الغذاء العالمية في روما بمشاركة مندوبي أكثر من خمسين دولة، وبرعاية منظمة "الفاو" (للأغذية والزراعة). وحاول المشاركون الخروج بتوليفة من شأنها إنقاذ البشرية من جوع مدقع لمئات الملايين من سكان العالم، وبخطة طارئة تقدر تكاليفها بمبلغ يتجاوز 15 إلى 20 مليار دولار؛ فهل انعكست بأي فائدة على الأردن والأردنيين؟
تؤكد التقارير أن الفجوة الغذائية في الأردن تجاوزت المليار ونصف المليار دولار، وأن السبب الرئيس يعود إلى عدم تعزيز دور البحوث العلمية التطبيقية (وليس النظرية)، وهدر المياه بنسبة عالية بدون تحقيق هدف الاستغلال الأمثل للموارد المائية المتوفرة في الزراعة والإنتاج الغذائي!
ووقفة بتمعن عند مضمون هذه التقارير، تقودني إلى الحديث عن موضوع الأمن الغذائي في الأردن بالسؤال: سبق أن رحب الجميع بالإعلان عن العام 2009 عام الزراعة، ومنذ ذلك العام وكميات الأمطار تجاوزت معدلاتها السنوية، وتفاءلنا خيرا، وتوقعنا قيام الحكومة -بوزاراتها ومؤسساتها المختصة، وبمساندة القطاع الخاص- بوضع خطة متكاملة للتنمية الزراعية، وإقرار آلية متوازنة للتنفيذ المرن. ولكن، هل وضعت الخطة، وماذا نفذنا منها؟ وهل حققنا تطويرا هادفا يبدد أو يحد من استمرار المخاوف بشأن أوضاع الأمن الغذائي؟ رغم كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة باتجاه تعزيز مفهوم الأمن الغذائي، إلا أننا ما نزال نعتمد في كثير من متطلبات الأغذية على منتجات مستوردة، تعتمد على قوى العرض والطلب، وتتأثر بتذبذب أسعار العملات والأسواق وأحوال المناخ في الدول التي يتم الاستيراد منها!
الأمل المنشود هو في قيام الحكومة بتشكيل فريق عمل وطني لإعادة دراسة وتقييم البرامج الزراعية، واستبعاد كل مشروع لا يصب في بوتقة الأمن الغذائي الأردني. والأساس أن نتذكر أن إنتاج الأردن من القمح يلبي فقط 2 % من حاجة الأردنيين!
والمطلوب هو الانتقال بالتنمية إلى المحافظات، من خلال برنامج للتصنيع الزراعي، مع التركيز على متطلبات التسويق للمنتجات، بدون التخبط في عموميات الأهداف الصناعية والتجارية؛ ومن ثم الانتقال تلقائيا إلى مجتمع زراعي يفجر طاقات المزارعين الأردنيين، ويدعم طبقة الفلاحين الملتصقين بأراضي آبائهم وأجدادهم، والانتقال بهذه الطاقات تالياً إلى مرحلة التكنولوجيا والتسويق الحديث، ضمن خطة خمسية تنموية للمحافظات والمناطق الأقل حظا، مع تحقيق حداثة أكثر في المواصفات والجودة التنافسية.
يطول الحديث، ولكن بيت القصيد أننا أمام نفق معتم، قوامه تفاقم أسعار الغذاء، خاصة الحبوب، عالميا. إن تحذير البنك الدولي لم يأت من فراغ. فهل نتعلم دروسا وعبرا تشكل قاعدة للانطلاق بشكل ثابت ومبرمج نحو شاطئ الأمان؟