دروع!

د. لانا مامكغ الفارسُ ذو الدرع المعدني الثقيل الذي يُسدد السهم، أو الحرْبة من على حصان يجري بسرعة فائقة… لينجح في إصابة هدف بعيد متحرك بدوره، أمرٌ كان يحتاجُ إلى قدرات جسدية نفسية تفوقُ التصور! هذا ما عرضه الباحثُ والكاتب “وليد فكري” معدُ برنامج “قعدة تاريخ” ومقدمُه على فضائية “cbc” المصرية قبل أسابيع، ليستعرض أنواع الأسلحة من حراب وسيوف ورماح من تلك التي كان المقاتلون في الحضارات القديمة يستخدمونها بمهارة خرافية! وفي الوقت الذي تأسرُك فيه المعلوماتُ الثرية التي تُسرد بجاذبية وسلاسة، تجد أن البرنامج كسر التوقعات التي تزعمُ أن المشاهد في خصومة مع الطروحات الثقافية على الشاشة الصغيرة، فألفُ شكر لكل من ينتصرُ للمعرفة أمام طوفان التجهيل الذي يجتاحُ عقول البشر هذه الأيام. مقدمةٌ الهدفُ منها تركيز بعض الضوء على أصل الدروع في تاريخ الحضارات، وكيف كان من يرتديها يستحقُ الانبهار عن اقتدار… إذ ارتبطتْ بالشجاعة والفروسية الفذة في أرض المعركة! ثم مر الزمانُ، وتغير لنبادر نحن بتقزيم ذلك البُعد البطولي بتحويل الدروع إلى “ مسوخ” تُهدى لأي مسؤول تقتضي مهامُ وظيفته رعاية بعض الأنشطة، فتراه يقصُ شريطاً لفعالية بسيطة، ليتلقى بعدها الدرع العتيد، ثم ليحتار أين يضعه، فينتهي به الأمرُ بأن يُلقى في زوايا الإهمال، والنسيان، والغبار! دروعٌ مُكلفة، توزعُ في المؤتمرات، والندوات، والمسابقات على أنواعها، حتى فقدتْ معناها، ولم تعد تشيرُ سوى إلى نوع من الهدر لم يعد مفهوماً، ولا مستساغاً، ولا مقبولاً. هذا في الوقت الذي يزخرُ فيه هذا الوطنُ بإبداعات لا تجدُ من يسوقُها غالباً، فماذا لو عمدنا إلى تكريم من يستحق بلوحة فنية ذات سعر معقول، أو بمطرزات شعبية باهرة من تلك التي تنتجُها أخواتُنا في بعض الجمعيات التراثية، وماذا عن مخرجات مدرسة الفسيفساء في مادبا؟ فهم يصنعون جمالاً حقيقياً في كل قطعة… وثمة جمعياتٌ حرفية تعيدُ تدوير مواد بأساليب إبداعية، وأخرى تتفننُ في ابتداع تشكيلات خلابة من السيراميك… وأخرى من خشب الزيتون الفائض بعد التقليم، وهناك من يعمل على النحت في جسيمات صخرية ملونة أخاذة. باختصار، بات الأمرُ بحاجة إلى شيء من التغيير في نمط سلوكي تقليدي ممل، وقد نصيبُ أهدافاً عديدة لو شجعنا أصحاب تلك الصناعات الحرفية، فالطلبُ والإقبال سيدفعهم للتنافس على تجويد المنتج، عدا عن العوائد المادية المتوقعة التي تستحقها بجدارة كلُ يد تبدع، وتقبضُ على جمر الحاجة بكبرياء… أخيراً، هو اقتراحٌ آمل أنْ يجد آذاناً صاغية، مع ألف شكر للإعلامي “ وليد فكري” الذي أوحى لي بطرح هذه الأفكار، حتى لو كان لإنصاف حملة الدروع من أبطال التاريخ الحقيقيين الذين استحقوها بجدارة قل نظيرُها ذات زمن! المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان