دستور مصر: الأمر لا يتعلق فقط بالبنود الدينية

مصريون يحتفلون بمرور عام على ثورة النيل  - (أرشيفية)
مصريون يحتفلون بمرور عام على ثورة النيل - (أرشيفية)

ناثان براون – (الغارديان) 15/2/2012

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بينما يستعد البرلمان المصري لتعيين واضعي الدستور الجديد، يوشك البلد على الدخول في رحلة صعبة، لم يسبق لها مثيل. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتم بها كتابة دستور لمصر، لكها المرة الأولى التي سينكب فيها الكثير من المصريين على كتابة دستور. وكان الذين يكتبون الدساتير السابقة هم لجان صغيرة تخدم الحكام الموجودين في وقتها. أما الآن، فإن هناك طيفاً واسعاً من الأصوات التي تصر على ضرورة الإنصات إليها.اضافة اعلان
في السنة التي مضت منذ الاحتفال الكبير بمناسبة رحيل حسني مبارك في ميدان التحرير، اكتشف المصريون كم من الاختلافات ينوون عليها. وتقوم كل من الطبقة، الدين، درجة التدين، الأيديولوجية والجندر بدفعهم إلى رؤية مجتمعهم بشكل مختلف للغاية، وتطوير أفكار متناقضة بعمق حول أفضل مسار لسياسة البلاد. ويستمر المصريون في المطالبة بمغادرة العسكر ميدان السياسة، ويظهر البعض الآخر استياءهم من الاضطراب الذي جلبته الثورة على المجتمع المصري، بينما يتأمل البعض اغتنام الفرصة لزرع المزيد من الممارسات الإسلامية عميقاً في الحياة اليومية، ويخشى آخرون من أن تتعرض جيوب المجتمع العلماني إلى الخطر.
والآن، ينبغي أن تعمل كل هذه التوجهات المختلفة معاً لبناء الهياكل الأساسية للحياة السياسية من خلال كتابة الدستور. وسوف يكون ذلك بالكاد وثيقة مصر الأولى لهذا الغرض، لكن كافة الجهود السابقة كان يقودها الحكام أو النخب الضيقة المحيطة بهم. وللمرة الأولى، سيكون هناك مجتمع متنوع ومسيس يراقب ويشارك في وضع القواعد الأساسية للسياسة. فما الذي يتعين عليهم القيام به لتحقيق هذا الهدف بطريقة ديمقراطية، مستقرة وعادلة؟
معظم العيون الدولية –والكثير من العيون المحلية- سوف تذهب مباشرة إلى البنود التي تتعلق بالدين. فمنذ العام 1980، كان يحكم المصريين بند يعلن أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". وقد بدأ الجدل بالفعل حول ما إذا كان يجب تعديل، أو تشديد، أو تخفيف هذه العبارة. لكن ما لا يلاحظه الكثيرون من المراقبين هو أن مثل هذه الصيغ إنما تتسم بالكثير من العمومية. ولن يعتمد أي معنى مخصوص تنطوي عليه كثيراً على ما تقوله الكلمات، بقدر ما ستعتمد على الطرف الذي سيتمتع بالسلطة والتخويل لتأويلها وتطبيقها.
هذه هي النقطة التي ينبغي إيضاحها بشكل أكثر عمومية: إن دستوراً صحياً لا ينبغي أن يُكتب فقط في عملية حصرية، وإنما ينبغي أن ينتهي أيضاً في شكل وثيقة تولي عناية دقيقة للكيفية التي تُتخذ بها القرارات. وعلى وجه الخصوص، سوف يحتاج المصريون إلى حل مشكلتين اثنتين.
الأولى: في ظل نظام ديمقراطي، تقوم الأغلبية بوضع السياسات الأساسية؛ ولكن، من هو الذي يتحدث باسم الأغلبية؟ يرجح أن يقيم المصريون نظاماً يضم برلماناً منتخباً ديمقراطياً، ولكن رئيساً منتخباً أيضاً. فكيف ستعمل مراكز السلطة هذه بالعمل معاً؟ وكيف ستراقب بعضها البعض؟ المصريون الذين يخشون من عدم الاستقرار الذي ربما يجلبه النظام البرلماني - وخاصة عندما لا يكون هناك حزب واحد مهيمن- سوف يتطلعون إلى رئيس للقيادة؛ في حين سيرغب مواطنوهم الذين يتذكرون كيف حكمتهم رئاسة متجبرة في تحجيم سلطة المنصب ومنحها مساحة أصغر.
الثانية: على مدى العام الماضي، سعى المصريون العاملون في جميع أنواع الهياكل -السلطة القضائية، والمساجد، والصحافة المملوكة للدولة – إلى استخدام الثورة للتملص من السيطرة الرئاسية. كما عمل معظم اللاعبين السياسيين في مصر، والدين يريدون أن يكونوا على الجانب الصحيح من استقلال القضاء وحرية التعبير، إلى تأييد مثل هذه الجهود. لكن النتيجة ربما تكون دولة تتحدث عن نفسها بكثير من الأصوات المتنافرة، والتي لا يعود بالوسع أن تجبرها سلطة واحدة على الركوع. وفي كتابة الدستور، سوف يحتاج المصريون إلى مواجهة السؤال حول المدى الذي ينبغي أن توضع فيه مثل هذه المؤسسات الحيوية وراء العملية السياسية.
تبدو هذه الصراعات تقنية، لكن من المرجح أن تلوح في الأفق بقوة في الأشهر المقبلة. وكان الكثير من التركيز السياسي لما بعد الثورة في مصر قد انصب على التوتر القائم بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين؛ وبين الإسلاميين وغير الإسلاميين؛ بين هياكل السياسة المدنية والمؤسسات التابعة لأمن الدولة؛ وبين الأساليب الاستبدادية القديمة والأساليب الجديدة القائمة على المزيد من المشاركة. ولا شك أن مثل هذه المسابقات تظل ضرورية وحقيقية. لكن علينا أن لا نغفل مسابقة أخرى في طور الظهور: بين قوى السياسة والسيادة الشعبية، والديموقراطية من جهة، وبين البيروقراطية، والخبرة، والكفاءة المهنية من جهة أخرى.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Egypt's constitution: it's not really about the religious clauses

[email protected]