دعاء صادق

بعض المشاهد والتفاصيل تقتحم علينا قلوبنا وعقولنا قبل حواسنا, ليس لأنها ذات اتقان فني بل لصدق ما فيها من مشاعر, ولأن الكلمات والحركات فطرية صادقة لا علاقة لها بالمصلحة والمنفعة, ولأن أصحابها يقولونها في السر والعلن. تلك المرأة من اهل الملاحة والاغوار التي دخل الملك بيتها في زيارته يوم الاثنين الماضي شاهدناها على شاشة التلفزيون تنهال على الملك بالتقبيل, بمشاعر صادقة وبلهفة الام والاخت, وسمعنا منها دعاء جميلا صادقا للملك وهي تناديه "يا عبدالله", لم تتعلم الاتكيت والمراسم لكن ما في داخلها اكبر من هذا, في داخلها صدق وحب للملك, حب ليس فيه سياسة بل قناعة فطرية, وحين يستمع احدنا الى دعاء تلك السيدة لا يشده السجع والبلاغة بل الصدق الفطري, لكنه دعاء عميق.

اضافة اعلان

الدعاء ليس امرا سهلا او محدود القيمة, فهذه الفئة من الناس مقياس حقيقي للصدق والانتماء, وهم الذين يمارسون الحب الحقيقي, وحين ترفع هذه السيدة وكل من يصدقها أيديهم إلى الله تعالى بالدعاء للملك بالتوفيق والصحة والعافية وطول العمر فهي دعوة بذات الصدق التي تدعو فيها الأم لابنها او الأخت لأخيها, دعاء يطلقه صاحبه وكله رجاء إلى الله تعالى بالاستجابة.

وشاهدنا على التلفزيون سيدة اخرى دخل عليها الملك بيتها المتواضع جدا وجلس الى جانبها والى جانبها (دلة القهوة) تقدم للضيف فنجانا تشعر معه بالفخر ان الملك ضيفها وتدعو الله تعالى له وهي لا تعلم ان كانت الزيارة مرتبطة بمساعدة لها على تخطي معاناتها, لكنها تمارس صدق العلاقة والفطرة الصادقة مع ملك تحبه لكنها تراه اليوم في بيتها المتواضع يشرب قهوتها.

كم هي مهمة وضرورية تلك الدعوات الصادقة التي تنطلق بعفوية من هؤلاء الاردنيين, يرفعون ايديهم الى الله ولا يعلمون انها مشاهد للتصوير, وهذه الدعوات لا تخرج فقط اثناء لقاء مباشر بل حتى في ظهر الغيب, لكنه دعاء يحتمل كل التفسيرات الكريمة ولا غنى لأي حكم او حاكم عنه, دعاء يصنعه الحب والانتماء الصادق, وتعززه اشكال التواصل والاقتراب من هموم الناس ودخول بيوتهم وقراهم وشرب قهوتهم, وترك لمسة جميلة في حياة اصحاب الحاجة.

دعاء صادق قيمته تتجاوز المسيرات ومهرجانات الخطباء وكلمات المديح, هذا الدعاء بالصحة والتوفيق وطول العمر دائم لا ينقطع, واعتقد ان من يسمعه يشعر كم هو صادق وعفوي, تماما مثلما يجلس احدنا الى جانب امه تدعو له وتتمنى له كل الخير وتخاف عليه من كل شيء, ولعلنا هنا نشير الى اللمسات الخاصة في حياة الافراد من المواطنين التي يشعر معها كل شخص ان الملك قريب منه, معه في بيته المتواضع, ومعه في العزاء, او من يتعرض لحادث صعب وكل مجال.

والفقراء ممن يعيشون ظروفا صعبة قد لا يدخل بيوتهم مدير دائرة او وزير لكنهم يجدون امامهم الملك, وهذه ليست جولات انسانية وإن كانت تحمل حلولا لهذه الفئات لكنها جزء من الحكم وضرورة لنا جميعا, ولعلي هنا اشير الى انه من المبادرات الهامة في عهد الملك عبدالله فكرة بناء بيوت للأسر الفقيرة في كل انحاء المملكة, فيصبح لكل شخص منهم حكاية خاصة مع الملك, والعبرة ان الاهتمام والرعاية تأتي لأدنى مستويات المواطنين في امتلاك اساسيات الحياة.

ما نكتبه ليس بحثا عن بلاغة في المديح لكننا جميعا نعلم ان هؤلاء الناس لهم ميزة خاصة, وصدقهم لم تلوثه اي امور, وهم الخير والصوت الذي عندما تسمعه يدعو ويرفع يديه لله لا تملك الا ان يشدك هذا الدعاء الفطري وتفرح به, وكلما ازدادت اشكال هذا التواصل وهي كثيرة كلما حافظنا جميعا على اللغة الجميلة في علاقتنا الوطنية رغم ان الملك لا يتوقف نشاطه في التواصل وزيارات كل القرى والبوادي والمخيمات والمدن الا ان واجب كل اصحاب المواقع ان يفتحوا كل الابواب بين كل الاردنيين ومؤسسة الحكم, ليس عبر التواصل المباشر فحسب بل وصول الصوت والشكوى والفرح والرأي, فكلمة السر الاردنية التي تمثل جزءا من قوة الدولة ان علاقة الناس بالحكم فيها من الفطرة والعفوية اكثر من السياسة وهذا ما يجب ان نحافظ عليه.