دعاة الحرب..!

علاء الدين أبو زينة لأن الناس –والدول- يتفاوتون في القوة والثروة وأدوات الإكراه، يضج العالَم بالحروب والموت. ويبدو أن احتمال العدوانية يتناسب طردياً مع القوة. ولذلك، نسمع أعلى أصوات مجانين الحرب في الدول الغنية والجشعة. وحسب تصنيف القوة في العالم، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في امتلاك الثروة وأدوات القوة. ولذلك، تتكرر دائماً في المقالات والتحليلات والأدبيات الأميركية كلمة warmongers، “دعاة الحرب”. وليس هؤلاء أفراداً من الرعاع العدوانيين الذين ظهروا في “الكابيتول” العام الماضي فحسب. ثمة تيار فكري عدواني نافذ، يقوده أصحاب المصالح من الساسة والمفكرين والإعلاميين والتجار وصُناع القرار. ويعرف المتابعون جيداً كيف يعمل الإعلام المتواطئ والموالي بتهيئة الرأي العام لقبول الحروب الخارجية، من فيتنام إلى أفغانستان والعراق، باعتبارها ضرورية وأخلاقية. تنطلق نزعة الحرب من غطرسة مجنونة واعتقاد نرجسي بالاستثنائية، والثقة بأن الإمكانيات تتيح الدوس على الآخرين الذين بلا أدوات، ولا حق الرد أو أي حق على الإطلاق. وتكون الكلفة على الأضعف غير متناسبة ووحشية. ومنطلقات العدوان الظاهرية أن “أرواحنا –ومصالحنا- غالية لا تقدر بثمن وأرواح الآخرين ومصالحهم بلا ثمن”. مثلاً، من أجل الانتقام –ظاهرياً- لبضعة آلاف من ضحايا هجمات نيويورك (الشريرة هي الأخرى بما يكفي)، غزت الولايات المتحدة واحتلت ودمرت بلداناً، وقتلت –مباشرة أو بالتداعي- ملايين الأبرياء وشردت مثلهم، وختمت على مستقبل أجيال، وقوضت منجزات وطنية تحققت بشق الأنفس. وفي هذه الحروب، فقد الأميركيون أنفسهم آلاف إضافية من أبنائهم الذين عادوا في الأكفان، أو مصابين بالصدمات والتشوهات النفسية أو الجسدية. ولا تقتصر كلفة الغطرسة والتعالي والاعتقاد بالعصمة على الضعفاء، وإنما تهدد الجميع بلا استثناء. منذ اختراع أسلحة الفناء الجماعي، تتوقع البشرية في أي لحظة قدوم “يوم القيامة النووي”، الذي يبدأه قرار فردي عصبي أو خلل تقني. ودائماً تقترب عقارب “الساعة النووية” أكثر من “منتصف الليل”، يقربها أكثر الآن الصراع الأخيرة على النفوذ بين معسكر أميركا وروسيا في أوكرانيا. ووصل الأمر بأحد دعاة الحرب المهووسين، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري روجر ويكر، إلى مطالبة بلده بمهاجمة روسيا بالأسلحة النووية. كما وجه الرئيس الأميركي تهديدات شديدة اللهجة إلى موسكو بمواجهة تداعيات وخيمة إذا تدخل الروس في أوكرانيا. في الأساس، العدوان والغزو مرفوضان أياً كان صاحبهما. لكنك إذا كنت تبشر باحترام خصوصيات الآخرين وأمنهم، فعليك أن تبدأ بتطبيق ذلك أنت نفسك. ويشير كل المراقبين تقريباً إلى توسيع الولايات المتحدة حدود حلفها “الناتو” لتضع صواريخها ودبابات حلفائها على عتبات روسيا. وهي تتوقع أن تخضع قوى من حجم روسيا والصين لإرادتها، فقط بدافع الشعور الزائف بأنها لا تُهزم. ماذا قد يحدث إذا هاجم الأميركيون روسيا بالأسلحة النووية وهي التي تمتلك من هذه الأسلحة ما يكفي لتدمير العالم عدة مرات؟ وكيف يتوقع السيناتور كير أن تتلقى روسيا الضربة مكتوفة اليدين ولا تستهدفه في بيته؟ في الحقيقة، لم يبقَ على دعاة الحرب سوى تسويق هذا الانتحار البشري على طريقة شمشون والمعبد! تقول الكاتبة الأميركية إيف أوتنبرغ: “من الأفضل أن يعيش العالم من دون الناتو على أن يموت من أجل توسيعه، لأن هذا هو ما يطلبه منا الناتو. عندما ترسل الولايات المتحدة طائرات حربية إلكترونية فوق حدود روسيا، كما فعلت في كانون الأول (ديسمبر)، فإنها ليست هناك لإلقاء التحية”. وتكتب الأميركية كاترينا فاندن هوفيل: “نحن نصنع البنادق، مع وجود نحو 800 قاعدة عسكرية خارج الولايات المتحدة -أكثر من البعثات الدبلوماسية. (القواعد العسكرية الروسية الوحيدة خارج منطقة الاتحاد السوفياتي السابق موجودة في سورية فقط). ونحن نصنع العقوبات الاقتصادية، نفرضها أو نهدد بها الدول من فنزويلا إلى روسيا. ونحن نتحدث عن نظام دولي قائم على القواعد ولكننا نحترمه فقط إذا كنا نحن الذين نضع القواعد، وغالبًا ما نستثني أنفسنا من تطبيقها”. وتكتب أيضاً: “مع حاجة الولايات المتحدة الماسة إلى تركيز الانتباه والموارد على التحديات التي يفرضها الوباء، واللامساواة الاقتصادية المنهكة، والانقسامات العرقية الشديدة، والتغير المناخي الكارثي، ومع استعداد الإدارة لمواجهة الصين، فإن آخر ما نحتاج إليه هو الحرب؛ بالوكالة أو، لا سمح الله، مباشرة مع الروس بشأن أوكرانيا”. لكن العالَم سيظل مبتلى بالحرب حين يتحكم فيه أشخاص يرتبون بقاءهم نفسه على أساس الحرب.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان