دعم الاقتصاد.. بزيادة الأجور أم بخفضها؟

أحمد عوض يقر أغلب المشتغلين بالسياسات الاقتصادية، الرسميين وغير الرسميين، بأن مستويات الأجور في الأردن متدنية، وأنها لعبت، وما تزال تلعب، دورا أساسيا في ضعف معدلات النمو الاقتصادي. غير أن هذا الإقرار لا يبنى عليه أي تغيرات في سياسات الأجور بوصفها جزءا من السياسات الاقتصادية، لتحفيز النمو الاقتصادي الذي يعاني من تباطؤ منذ أكثر من عقد. عوامل عدة، حالت وتحول دون إجراء إصلاحات في سياسات الأجور باتجاه زيادتها، واستخدامها لتحفيز النمو الاقتصادي، تتمثل في تبني فرضية تؤشر على أن زيادة الأجور من شأنها أن تزيد عجز الموازنة العامة إذا كانت الزيادات للعاملين في القطاع العام، وأن تضغط على القطاعات الاقتصادية وتفقدها بعض ميزاتها التنافسية إذا كانت الزيادات على أجور العاملين في القطاع الخاص. كلتا الحجتين، صحيحة ظاهريا، ولكن تأثيراتهما الحقيقية تمثلت في زيادة تباطؤ النمو الاقتصادي، ومخاطر استمرار التباطؤ الاقتصادي هي أكثر خطورة من العجز والميزات التنافسية لبعض القطاعات التنافسية، حيث البطالة والفقر غير المسبوقين. ورغم إجماع مدارس الفكر الاقتصادي المختلفة على أهمية دور زيادة دخول الأفراد والأسر في تحفيز النمو الاقتصادي، ما يؤدي إلى زيادة الإنفاق، وبالتالي دفع عجلة النمو، إلا أن الحفاظ على المصالح قصيرة المدى لبعض القطاع الخاص المؤثر، وعدم استعدادهم للمساهمة في دفع بعض أثمان الخروج من الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها، يدفعهم للترويج للعديد من الحجج لمنع الحكومة من زيادة الأجور في القطاع الخاص من خلال أداة "الحد الأدنى للأجور"، التي تخضع بدورها لضغوطات صندوق النقد الدولي لمنع زيادة أجور العاملين في القطاع العام. نظرة سريعة إلى حصة الأجور (تعويضات العاملين) من الناتج المحلي الإجمالي تظهر بوضوح أنها منخفضة مقارنة بالدول التي يتمتع اقتصادها بالاستقرار والمتانة. ففي الوقت الذي لا تزيد نسبة مجمل الأجور في الأردن (على تفاوتها) على نحو 36 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، نجدها تزيد، على سبيل المثال، في الدول الأوروبية على 60 بالمائة، وعند بعضها تصل إلى 70 بالمائة، وتقارب في عشرات الدول الآسيوية والأفريقية نسبة 50 بالمائة. العمل وفق فرضيات تكرس التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية سيعمق حالة التباطؤ الاقتصادي أكثر فأكثر، وانتظار ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وإنتاجية الأفراد حتى يصار إلى زيادة مستويات الأجور أمر من الصعب تحقيقه، وسيعمل على تعميق أزمتنا أكثر فأكثر. إنتاجية الاقتصاد والأفراد موضوع مرتبط بمدى فاعلية الإدارات أكان في القطاع العام أم الخاص، وليس مرتبطا بأداء الأفراد، الحكومة هي المسؤولة عن جودة التعليم بمختلف مراحله في المؤسسات التعليمية المختلفة، وإدارات القطاع الخاص هي المسؤولة عن فاعلية وإنتاجية العاملين لديها، فهي صاحبة القرار في تطبيق نظم إدارية فعالة وكفؤة. لا بد من تأكيد وجه آخر مهم للمعادلة، يتمثل في أن زيادة الأجور بعامة، والحد الأدنى لها بخاصة، يعد أحد أهم محركات النمو الاقتصادي وبناء اقتصاد قوي. إن الاستمرار في استخدام مقاربة دعم النمو الاقتصادي وتعزيز قوته على حساب الأجور المنخفضة التي اعتمدتها الحكومات الأردنية المتعاقبة، شكل خطيئة كبيرة، آن أوان التراجع عنها. ونشير إلى أنه وبالقدر الذي يحتاج اقتصادنا الوطني إلى مزيد من الاستثمارات والصادرات، فإنه يحتاج إلى طلب استهلاكي محلي كبير للأفراد وللمؤسسات، أي ببساطة، من دون قدرات شرائية محلية وازنة للمستهلكين الأفراد وعائلاتهم، لن يتحقق النمو الاقتصادي المنشود، ولن يتم بناء اقتصاد قوي مستدام. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان