دعوة سورية للقمة العربية

جمدت عضوية سورية في الجامعة العربية منذ العام 2011 على وقع الأحداث الدموية المؤلمة التي شهدتها، ومطالبة وسعي كثير من الدول العربية تغيير النظام. نأت الجزائر ولبنان بنفسيهما عن قرار التجميد، واختار الأردن أن يستمر بعلاقاته مع سورية وإبقاء السفارات نظرا للمصالح الثنائية الكبيرة والمتشابكة بين الشعبين الشقيقين. لكن قرار تجميد العضوية وحضور سورية للقمم العربية بقي معلقا ومرتبطا بقرار غالبية الأعضاء الذي تنصاع له الأمانة العامة للجامعة العربية بالتنسيق مع الدولة المضيفة للقمة. لذا بقي مقعد سورية فارغا في معظم السنوات، باستثناءات محدودة دعيت لتملأه المعارضة السورية. اضافة اعلان
في كل مرة تبدأ التحضيرات للقمة العربية الدورية، كانت تدور نقاشات حول دعوة سورية للحضور، وتبرز توازنات سياسية دقيقة تجد الدولة المضيفة للقمة أنها لا محالة مكبلة وأسيرة لها، وأي من الدول المضيفة لا تريد إغضاب أقطاب النظام العربي أعضاء مجلس الجامعة الذين ببساطة سيقاطعون القمة إن لم يرضوا عن دعوة سورية، وهذا يعني عمليا إضعاف أو فشل القمة.
الأوضاع الآن في تغير متسارع بعد التطورات الكبيرة للأزمة السورية، فلم يعد مطروحا دعوة المعارضة السورية، وفكرة دعوة سورية الرسمية لم تعد بالحساسية السابقة ذاتها. تونس في وضع أفضل لإقناع أعضاء الجامعة بدعوة سورية، لكن هذا حكما سيخضع لمتطلبات وضمانات تقدمها تونس بالنيابة عن سورية. من هذه الضمانات أن يكون خطاب سورية أثناء وقبل القمة القادمة تصالحيا إيجابيا لا يثير حساسيات أحد، أو ينبش بسنوات الصراع وجروحه. ببساطة، أن يكون خطابا مختلفا تماما عما كنا نسمع بالإعلام السوري الذي يخاطب الداخل ويؤججه من غير وعي أحيانا.
بالحد الأدنى، وكحل وسط مقبول لمشاركة سورية، يمكن تبني اقتراح قبول مشاركتها من دون أن يكون لها أي خطاب سياسي أو مشاركة خارج إطار التصويت في مجلس الجامعة، فهذا قد يجنب القمة والمستضيفة تونس أي مفاجآت قد لا تكون سارة، أو قد تؤدي لنكسة على طريق إعادة قبول سورية في منظومة العمل العربي المشترك، وتضعف من فرص الدعم العربي لنهوض سورية واستعادة عافيتها.
سورية معنية بتقديم خطاب سياسي مختلف على مستوى الإقليم والعالم، وهذا لا يعيبها ولا ينتقص من كرامتها الوطنية، بل سيكون بمثابة مؤشر على توجه سياسي سوري جديد، يضعه الجميع تحت المجهر ويراقبون بدقة مراحل تطوره وتكوينه.
سورية يجب أن تغادر خطابها السياسي والإعلامي السابق الذي طالما كان وبالا عليها؛ خطاب ألب الأعداء وكاثرهم. تصريح سوري واحد سابق - شخصي واستفزازي - عن أحد قادة الدول العربية كان مفصليا وكارثيا لكثير من الذي عانت منه سورية. لا بد للعقلاء في سورية أن يرسخوا خطابا يراعي مصالح بلدهم وحساسيات الإقليم، ويقرب دمشق أكثر لتعود جزءا فاعلا في النظام الإقليمي والعربي، تساهم مع باقي جيرانها بالنهوض بهذا الإقليم المنهار الذي استباحه الإرهاب والتطرف والغلو.