دعوة للتفاؤل!

قرأت برنامج الحكومة حال عودتي أمس وقرأت التعليقات عليه، وهي تميل الى التحفظ ليس بسبب موقف سلبي من مضمون البيان بل بسبب الرصيد المتضخم من التجارب السلبية مع البيانات.

اضافة اعلان

الحكومات لا تملك عصا سحرية لتحقيق الاصلاح والازدهار، لكن في مجال لم يكن يحتاج مالا بل قرارا لم تنجز الحكومتان السابقتان شيئا، ونعني بذلك مجال التنمية السياسية الذي تصدّر برنامجهما.

هل اغامر بالدعوة للتفاؤل هذه المرّة؟!

سوف اغامر شارحا اسبابي وعسى ان لا أكون مخطئا.

التنمية السياسية في السنوات الاخيرة بدأت تأخذ حيزا في الخطاب العام لأسباب داخلية وخارجية. وما ان جاءت حكومة الفايز حتى كان قد نضج اعتماد "التنمية السياسية" رسميا وتصدرت بيان الثقة ومعها وزارة خاصّة بها. لكن واقع الحال ان تصورا محددا لم يكن قد نضج ولا قرارا فعليا قد اتخذ. ونشطت قوى الشدّ العكسي منذ البداية لوأد المشروع وكسبت الجولة، وكان التعديل على حكومة الفايز مؤشرا.

لكن التنمية السياسية كانت متطلبا موضوعيا لا سبيل للقفز عنه ونسيانه، حتّى لو تعثّر او تراجع. وقد عاد على يد مروان المعشر من خلال مشروع الاجندة الوطنية للتحديث، لكن الحكومة اللاحقة (د. بدران) ولدت متعثّرة وعانت ولم تنته صياغة الاجندة الا وكانت الحكومة قيد الترحيل.

ولمّا كان الصراع احيانا صراع اشخاص ومواقع تنصب فيه الشباك ويتم تأويل المواقف فيختلط صراع الافراد والمقولات ويتعطّل الانجاز. فقد ظهرت مقاربة جديدة لتجاوز الظاهرة المسمّاة الحرس القديم والجديد من خلال فك المعسكرات وتصفية بعض المواقع جديدها وقديمها وتكليف رئيس مختلف وملتزم. ولعل اختيار البخيت جاء على الارجح تعبيرا دقيقا عن هذا التوجه.

مشكلة التنمية السياسية في ظلّ الحكومتين السابقتين هي وجود رئيس طيّب ومحبب، لكن مراكز القوّة والنفوذ كانت موجودة بغزارة داخل الحكومة وخارجها وكل يعمل لحسابه. وهذا هو الفارق عن الحكومة الجديدة التي لها رأس واحد بدون مناوئين في مواقع القرار الاخرى خارج الحكومة ناهيك عن داخلها. وهو بهذه الصفة يأتي بالتزامات محددة أوضحها كتاب التكليف.

الحكومات الثلاث الاخيرة جاءت كلها كـ"حكومات اصلاحية" تحمل مشروع التنمية السياسية، لكن لا نوافق قول البعض بأن بياناتها متشابهة تماما، هناك تمايز دقيق في محطّات محددة. فالكلام عن الديمقراطية جاء قويا وحاسما فيها جميعا، لكن البيان الاخير طرح التزاما محددا بقوانين ورزنامة زمنية لها.

اذا وضعنا طبيعة السياق الذي جاءت به هذه الحكومة والالتزامات المحددة في مجال الاصلاح السياسي يمكن التخمين ان العربة باتت لزاما على سكّة وحيدة بلا مسارب فرعية وأمامها محطّة قوانين الانتخاب والاحزاب والبلديات. وللحديث بقية.

[email protected]